للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسوسة، فإذا كثرت الوساوس صارت طرقاًِ للعدوّ بالتزيين والتسويل فأضرّ شيء على التائب تمكينه خاطر السوء من قلبه بالإصغاء إليه فإنه يدب في هلكته وكل سبب يدعو إلى معصية أو يذكر بمعصية فهو معصية وكل سبب يؤول إلى ذنب ويؤدي إليه فهو ذنب وإن كان مباحاً وقطعه طاعة وهذا من دقائق الأعمال وكان يقال: من أتى عليه أربعون وهو العمر وكان مقيماً على الذنب لم يكد يتب منه إلا القليل من المتداركين، وقد روي في الخبر: المؤمن كل مفتن تواب وإن للمؤمن ذنباً قد اعتاده الفيئة بعد الفيئة يعني حيناً بعد حين.

وفي الحديث: كل بني آدم خطاء وخير الخطائين المستغفرون، وفي الخبر الآخر: المؤمن واه راقع فخيرهم من مات على رقعه أي واه بالذنوب راقع بالتوبة والاستغفار، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بترك متابعة الذنوب وترادف السيئة بالحسنة في قوله تعالى: (وَيَدْرَؤُون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) الرعد: ٢٢، وقد جعل هذا من وصف العاملين الذين صبروا فقال تعالى: (أُولئكَ يُؤْتَوْنَ أجْرَهْمُ مرَّتينِ بِما صبرُوا وَيَدْرَؤُون بِالْحسنةِ السَّيّئةَ) القصص: ٥٤ فجعل تعالى لهم صبرين عن الذنب وعلى التوبة فآتاهم به أجرين وقد اشترط الله تعالى على التائبين من المؤمنين ثلاث شرائط وشرط على التائبين من المنافقين أربعة لأنهم اعتلوا بالخلق في الأعمال فأشركوهم بالخالق في الإخلاص فزاد عليهم الشرط تشديد الشدة دخولهم في المقت واعتل غيرهم بوصفه فخفف عنهم شرطين فقال عزّ وجلّ: (إلاّ الَّذين تَابُوا وأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا) البقرة: ١٦٠ قوله تعالى تابوا أي رجعوا إلى الحق من أهوائهم، وأصلحوا يعني ما أفسدوا بنفوسهم، وبينوا فيها وجهان، أحدهما بينوا ما كانوا كتموا من الحق وأخفوا من حقيقة العلم وهذا لمن عصى بكتم العلم ولبس الحق بالباطل وقيل: بينوا توبتهم حتى تبيّن ذلك فيهم فظهرت أحكام التوبة عليهم، وقال في الشرطين الآخرين: (إنَّ الْمُنافِقينَ في الْدَّرْكِ الأسْفِل مِنَ الْنَّارِ وَلَنْ تجِدَ لَهُمْ نَصيراً) النساء: ١٤٥ (إلاَّ الَّذين تَابُوا وَأصْلَحُوا واعْتصمُوا باللهِ وأخْلصُوا دَيْنَهُم للهِ) النساء: ١٤٦، لأنهم كانوا يعتصمون بالناس وبالأموال وكانوا يراؤون بالأعمال فلذلك اشترط عليهم الاعتصام بالله والإخلاص لله عزّ وجلّ فينبغي أن تكون توبة كل عبد عن ضد معاصيه قليلاً بقليل أو كثيراً بكثير ويكون التائب على ضد ما كان أفسد ليكون كما قال الله تعالى: (إنا لا نُضيعُ أجْرَ الْمُصْلِحينَ) الأعراف: ١٧٠، ولا يكون العبد تائباً حتى يكون مصلحاً ولا يكون مصلحاً حتى يعمل الصالحات ثم يدخل في الصالحين.

وقد قال الله تعالى: (وَهُو يَتَولَىّ الصَّالِحينَ) الأعراف: ١٩٦، وهذا وصف للتواب وهو المتحقق بالتوبة والحبيب لله تعالى كما قال تعالى: (إنَّ الله يُحِبُّ التَّوَّابينَ) البقرة: ٢٢٢ أي يتولى الراجعين إليه من أهوائهم المتطهرين له من المكاره، وكما قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التائب حبيب الله، وسئل أبو محمد سهل: متى يكون العبد التائب حبيب الله تعالى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>