للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في هذا الورد الخامس الاستغفار وقراءة القرآن وقد ذكره الله عزّ وجلّ في قوله: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) الإسراء: ٨٧، قيل تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار لتوسط هذا الورد بينهما، ومن ذلك ذهب أهل الحجاز إلى أن الصلاة الوسطى التي نص الله تعالى على المحافظة عليها هي صلاة الفجر تعظيماً لهذا الوقت وتشريفاً له لتوسطه بين آخر الليل وأول النهار، فهذا الورد هو أقصر الأوراد ومن أفضلها وهو من السحر الأول إلى طلوع الفجر الثاني إلا ما كان من صلاة نصف الليل فذلك هو أفضل شيء من الليل، وهو أوسط الأوراد لأنه هو الورد الثالث، ويصلح في هذا الورد الخامس من السحر الأخير الصلاة لمن استيقظ من ساعته أو لمن تمم به صلاته، فالصلاة فيه لها فضل وشرف وهو بمنزلة الصلاة في أول الليل بين العشاءين، ولأن معنى قوله عزّ وجلّ عند بعض المفسرين: (وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذاريات: ٨١، أي يصلون وكذلك قوله عزّ وجلّ: (وَقُرْآنَ الْفَجْر) الإسراءِ: ٨٧ يعني به الصلاة فكنى بذلك القرآن والاستغفار عن الصلاة لأنهما وصفان منها، كما قيل للصلاة تسبيح وسبحة لأن فيها التسبيح، وكذلك يقال للصلاة استغفار لأنه يطلب بها المغفرة وتكون هذه الصلاة في السحر بدلاً من السحور إلى طلوع الفجر الثاني وقد أمر بها سلمان أخاه أبا الدرداء ليلة زاره في حديث طويل قال في آخره: فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء ليقوم فقال له سلمان: نم، فنام ثم ذهب ليقوم فقال له: نم، فنام فلما كان عند الصبح قال له سلمان: قم الآن فقاما، فصليا، فقال: إن لنفسك عليك حقاً وإن لأهلك عليك حقاً وإن لربك عليك حقّاً وإن لضيفك عليك حقّاً فأعط كل ذي حق حقه، وذلك أن امرأة أبي الدرداء أخبرت سلمان أنه لاينام الليل، قال: فأتيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكرا ذلك له فقال: صدق سلمان، وهذا الورد الخامس يشبه الورد السابع من النهار قبل الغروب في فضل وقتيهما وهذا قبل الفجر الثاني، والفجر الثاني هو انشقاق شفق الشمس وهو بدو بياضها الذي تحته الحمرة وهو الشفق الثاني على ضد غروبها، لأن شفقها الأول من العشاء وهو الحمرة بعد الغروب وبعد الحمرة البياض وهو الشفق الثاني من أول الليل وهو آخر سلطان الشمس، وبعد البياض سواد الليل وغسقه، ثم ينقلب ذلك إلى الضد فيكون بدو طلوعها الشفق الأول وهو البياض وبعده الحمرة وهو شفقها الثاني وهو أول سلطانها من آخر الليل وبعده طلوع قرص الشمس، والفجر هو انفجار شعاع الشمس من الفلك الأسفل إذا ظهرت على وجه الأرض الدنيا يستر عينها الجبال والبحار والأقاليم المسروقة العالية ويظهر شعاعها منتشراً إلى وسط السماء عرضاً مستطيراً فهذا آخر الورد الخامس وعنده يكون الوتر فإذا طلع الفجر فقد انقضت أوراد الليل الخمسة ودخلت أوراد النهار، فانظر هل دخلت في دخوله عليك في جملة العابدين أم خرج عنك وأنت فيه من الغافلين وتفكر أي لبسة ألبسك فإن الليل جعل لباساً هل ألبست فيه حلة النور بتيقظك فتربح تجارة لن

<<  <  ج: ص:  >  >>