الهوى فيغمره، فإن عدم أحد هذين فهو من المذبذبين بن ذلك.
وروينا أن عليّا رضي الله عنه قال لبعض الخائفين، وقد تاه عقله فأخرجه الخوف إلى القنوط: ما أصارك إلى ما أرى؟ فقال: ذنوبي العظيمة، فقال: ويحك إن رحمة الله تعالى أعظم من ذنوبك فقال: إن ذنوبي أعظم من أن يكفّرها شيء فقال: إن قنوطك من رحمة الله تعالى أعظم من ذنوبك والخوف جند من جنود الله تعالى قد يستخرج من قلوب المريدين والعابدين لا يستخرجه الرجاء فتستجيب له القلوب المرادة به بنهايات الزهد وحائق التوبة وشدة المراقبة، وقد يفعل الله تعالى جميع ذلك بأهل الرجاء في المحبة ومقام الرجاء مستخرج منهم الكرم والحياء والخوف اسم جامع لمقامات الخائفين ثم يشتمل على خمس طبقات، في كل طبقة ثلاث مقامات، فالمقام الأوّل من الخوف هو التقوى؛ وفي هذا المقام المتقون والصالحون والعاملون، والمقام الثاني من الخوف هو الحذر؛ وفي هذا المقام الزاهدون والورعون والخاشعون، والمقام الثالث هو الخشية؛ وفي هذا طبقات العالمين والعابدين والمحسنين، والمقام الرابع هو الوجل؛ وهذا للذاكرين والمخبتين والعارفين، والمقام الخامس هو الإشفاق وهو للصديقين وهم الشهداء والمحّبون وخصوص المقرّبين وخوف هؤلاء عن معرفة الصفات لأجل الموصوف لا عن مشاهدة الاكتساب لأجل العقوبات، كما جاء في الخبر: أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: يا داود خفني كما تخاف السبع الضاري، فالسبع إنما يخاف لوصفه بالبطش والسطوة ولما ألبس وجهه من الهيبة والكبر لا لأجل ذنب كان من الإنسان إليه، وكذلك لهؤلاء من الرجاء العظيم والنصيب الأوفر على معنى خوفهم ما لا يسع للعموم أن يذكر، فطلبهم برجائهم وحسن ظنهم بما هو لهم لا يصفه إلا هم ولا يعرفه سواهم، جمل ذلك أنصبة القرب ونعيم الأنس وروح اللقاء وسرور التملّق وحلاوة الخدمة وفرح المناجاة وروح الخلوة وارتياح المحاورة فلهم منه تجلّي معاني الصفات وظهور معاني محاسن الأوصاف فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرّة أعين ولأصحاب اليمين إظهار نعيم الأفعال ومواهب العطاء والأفضال، وقد كان يحيى بن معاذ يقول من عبد الله تعالى بالخوف دون الرجاء غرق في بحار الأذكار، ومن عبده بالرجاء دون الخوف تاه في مفاوز الاغترار، ومن عبده بالخوف والرجاء معًا استقام في محجة الأذكار، وقال مكحول النسفي رحمه الله تعالى في معناه: إلا أنه جاوز فيه الحدّ فقال: من عبد الله تعالى لخوف فهو جروري، ومن عبده