للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجنة فإذا أكثر أهلها الفقراء واطلعت في النار فإذا أكثر أهلها الأغنياء وفي معناه الخبر الآخر فقلت: أين الأغنياء؟ فقال: حبسهم الجد أي الحظ، وقد سمّى الله تعالى الفقراء الزاهدين محسنين ووضع عنهم السبيل فقال تعالى: (وَلا عَلى الَّذين لا يجدُونَ مَا يُنْفِقونَ حرَجٌ) التوبة: ٩١، ثم قال: (مَا عَلَى المُحْسِنينَ منْ سَبيل) التوبة: ٩١ ثم نصّ عى ذكر من عليه الحجة والمطالبة فقال جلّ وعلا: (إنَّمَا السَبيلُ عَلَى الَّذينَ يَسْتَأْذِنونك وَهُمْ أغْنيَاءُ رَضُوا بأن يَكُونوا مَعَ الْخَوَالِفِ) التوبة: ٩٣ يعني النساء.

وعلى هذا المعنى جاء تأويل قوله تعالى: (إنَّا جَعَلنا ما عَلَى الأرْضِ زينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أيُّهُمْ أَحْسَن عَمََلاً) الكهف: ٧ قيل: أزهد في الدنيا فصار الإحسان مقام الزاهدين؛ وهو وصف اليقين، كذلك فسرّه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل ماالإحسان؟ فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، يعني على اليقين وهو المشاهدة ولعمري أن الزهد حال الموقن لأن مقتضى يقينه، وقد يحتجّ متوهّم بفضل الأغنياء على الفقراء عنده لقوله تعالى مخبرًا عن الفقراء: (تَوَلّوْا وَأَعْيُنُهمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمعِ حَزَنًا ألا يَجدُوا ما يُنْفِقُون) التوبة: ٩٢، يعلم أن هذا عند أهل التدّبر للقرآن مزيدًا للفقراء لتمام حالهم لما كانوا محسنين كما قال سبحانه وتعالى: (وَسَنَزيدُ المُحْسِنينَ) البقرة: ٥٨ فكان مزيدهم الحزن والإشفاق وخوف التقصير لمشاهدة عظم حقّ الربوبية عليهم حتى كأنهم مسيئون حتى بشرهم الله تعالى بأنهم محسنون لما قال عزّ وجلّ: (مَا عَلَى المُحْسِنينَ مِنْ سَبيلٍ) التوبة: ٩١ لأنه ضمّهم إليهم في الوصف وعطفهم عليهم في المعنى، وأيضًا فلم يكن بكاؤهم على فوت الدنيا ولا على طلب الغنى، والله تعالى يمدحهم بصبرهم عن الدنيا ويذم الدنيا إليهم بل حزنهم على طلب المزيد من الفقر ليجدوا الإنفاق فيخرجوه فيفتقروا منه فيزدادون فقرًا ببذله إلى فقرهم فعلى كثرة الإنفاق وحقيقة الفقر من الدنيا كان حزنهم فهذا فضل ثانٍ للفقراء لا على الجمع والادخار والموضع الأعلى الذي فضل الفقراء من هذه الآية عن أهل الاستنباط والتفكّر وهو مشاركتهم لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حاله، ووصف الله تعالى رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل حالهم في قوله تعالى: (قُلَت لا أجدُ مَا أحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ) التوبة: ٩٢ ثم نعتهم بمثله لأنهم هم الأمثل، فالأمثل به فقال تعالى: (ألا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ) التوبة: ٩٢ فمن كان برسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمثل فهو أفضل، كيف وقد روينا عن النبي: تحفة المؤمن في الدنيا الفقر فجعل الفقر تحية له من ذي التحيات المباركات مع الخبر المشهور: الفقر على المؤمن أزين من العذار على خد الفرس الجواد، والفقر اختيار رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشعار الأنبياء وطريقة علية الصحابة والأصفياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>