كَانَ يُريدُ حرْثَ الدُّنيا نُؤتِه مِنها وَمَا لَهُ في الآخرِةِ منْ نَصيبٍ) الشورى: ٢٠ وقد روينا في خبر قلنا: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: مجموم القلب صدوق اللسان قلنا: يا رسول اللّّه وما مجموم القلب؟ قال التقيّ النقيّ الذي لا غلّ فيه ولا غشّ ولاحسد ولا بغي قيل: يا رسول الله فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحبّ الآخرة والشيء يعرف بضده كما يعرف بمثله وضد الشنئان المحبة وضد الزهد الرغبة، وفي دليل خطابه: إن شرّ الناس الذي يحبه الدنيا وإن الراغب فيها هو المحبّ لها، والإقتناء لها والاستكثار منها علامة الرغبة فيها، كيف وقد جاء أيضًا: إن أردت أن يحبك الله تعالى فازهد في الدنيا فجعل الزهد سبب محبة الله تعالى فصار الزاهد حبيب الله تعالى فينبغي أن يكون الزهد من أفضل الأحوال إذ المحبة أعلى المقامات، وفي دليل الكلام: إن من رغب في الدنيا فقد تعرض لبغض الله تعالى الذي لاشيء أعظم منه وأن المحبّ للدنيا بغيض الله تعالى، وكان أبو محمد رحمه الله تعالى يقول: اجعلوا أعمال البّركلّها في موازين الزهّاد ويكون ثواب زهدهم زيادة لهم، وقال أيضًا: العباد في موازين العلماء والعلماء في موازين الزهاد يوم القيامة فلا يطمعنّ طامع في محبة الله تعالى وهو محبّ للدنيا لأن الله تعالى يمقتها، وفي خبر: ما نظر إليها منذ خلقها، يقول لها: اسكتي يا لاشيء أنت وأهلك إلى النار، وفي الخبر: يقول الله تعالى: يوم القيمة للدنيا ميّزوا ما كان منها لي وألقوا سائرها في النار، وكذلك روينا في الأثر: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله تعالى وما والاه، وفي لفظ آخر: فمثل الدنيا مثل إبليس خلقه الله تعالى للعبد واللعنة ليبتليه ويبتلي به، ويهلكه ويهلك به، وقد شهد ذلك بعض المكاشفين فقال: رأيت الدنيا في صورة جيفة ورأيت إبليس في صورة كلب وهوجاثم عليها، ومنادٍ ينادي من فوق: أنت كلب من كلابي، وهذه جيفة من خلقي وقد جعلتها نصيبك مني، فمن نازعك شيئاً منها فقد سلطتك عليه فجاء من هذا أنها مكانه فمن تمكّن في شيء منها تسلّط العدو بالمكانة منه بقدر ما أصاب منها وقد كوشف بها بعض الأولياء في صورة امرأة ورأى أكفّ الخلق ممدودة إليها هي تجعل في أيديهم شيئًا، قال: فقلت له ما هو قال قال شيء يلتذ وطائفة تمرّ عليها مكتوفي الأيد تعطيهم شيئاً وكوشف بها مورق العجلي في صورة عجوز شمطاء دندانية مسمجة عليها ألوان المصبغات وأنواع الزينة قال: فقلت أعوذ باللّّه منك فقالت: إن أردت أن يعيذك الله