للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كفى به ذنبًا لا يستغفر منه حبّ الدنيا، وأشدّ من ذلك ما رواه سفيان عن يحيي بن سليم الطائفي رفعه إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لو أن عبدًا عبد الله تعالى عبادة أهل السموات والأرض ولقيه محبًّا للدنيا لأقامه الله تعالى في الموقف مقاماً شهره فيه بين الخلائٍق، ألا أن فلان بن فلان قد أحبّ ما أبغض الله تعالى، وقال يحيى بن جابر الطائي: قال عمرو بن الأسود العنسي: لا ألبس مشهوراً أبداً ولا أنام بليل على دثار أبدًا ولا أركب على مابور أبدًا ولا أملأ جوفي من طعام أبدًا.

فقال عمر رضي الله عنه: من سرّه أن ينظر إلى هدى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلينظر إلى عمرو ابن الأسود، وجاء رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من سفر فدخل على فاطمة رضي الله تعالى عنها فرأى على بابها سترًا وفي يديها قلبين من فضة فرجع، فدخل عليها أبو رافع وهي تبكي، فأخبرته برجوع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسأله فقال: من أجل الستر والسوارين، فهتكت الستر ونزعت السوارين فأرسلت بهما بلالاً إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: قد تصدّقت به فضعه حيث ترى فقال: اذهب فبعه وادفعه إلى أهل الصفة فباع القلبين بدرهمين ونصف وتصدّق به عليهم فدخل عليها وقال: بأبي أنت قد أحسنت، وفي الخبر ما من عبد لبس ثوب شهرة إلا أعرض الله تعالى عنه حتى ينزعه وإن كان عنده حبيبًا، وقال سفيان الثوري وغيره: البس من الثياب ما لم يشهرك عند العلماء ولايحقرك عند الجهال وكان يقول: إن الفقير ليمرّ بي وأنا أصلّي فأدعه يجوز ويمرّ، بعض هؤلاء من أبناء الدنيا وعليه هذه البزة فأمقته فلا أدعه يجوز، قال بعضهم: ما رأيت الغنيّ في مجلس قطّ أذلّ منه في مجلس الثوري رحمه الله تعالى ولا رأيت الفقير أعز منه في مجلس الثوري، وقال آخر: كنا إذا جلسنا إلي سفيان تمينا أنّا كنا فقراء لما نرى من إقباله عليهم وإعظامه لهم وقال بعضهم: إنما العالم هو الذي يقوم الفقير من عنده غنيِّاً والغنيّ من عنده فقيرًا، وقال بعضهم قومت ثوبي سفيان ونعليه بدرهم وأربعة دوانيق، وقال ابن شبرمة: خير الثياب ما خدمني وشرّها ما خدمته.

وقال بعض السلف: أحبّ الثياب إليّ ما لا يستخدمني وأحبّ الطعام إليّ ما لا أغسل يديّ منه، وقال بعض العلماء: البس من الثياب ما يخلطك بالسوقة ولا تلبس منها ما يشهرك فينظر إليك قال: وعددنا في قميص عمر رضي الله عنه أربعة عشر رقعة بعضها من أدم، وكان بعض العلماء يقول: كثرة الثياب على ظهر ابن آدم عقوبة من الله تعالى له وكان الخواص رحمه الله تعالى لا يلبس أكثر من قطعتين؛ إزارين أو قميص ومئزر تحته ويعطف ذيل قميصه على رأسه ويحلّه في وسطه فيغطي به رأسه، وكذلك استحب للفقير وهو حدّ اللباس، وقال أبو سليمان الداراني رحمه الله تعالى: الثياب ثلاثة، ثوب لله تعالى، وثوب للنفس، وثوب للناس، فالذي لله تعالى ما ستر العورة وأديت فيه الفريضة، والذي للنفس ما طلبت لينه ونقاءه، والذي للناس ما طلبت جوهره وحسنه، ثم قال: وقد

<<  <  ج: ص:  >  >>