فصل الظهر فإذا صارت إلى حاجبك الأيمن فهذا آخر وقت الظهر في الشتاء وهو أوّل وقت الظهر في الصيف وهذا التقدير إنما هو لأهل إقليم العراق وخراسان لأنهم يصلون إلى الحجر الأسود وتلقاء الباب من وجهة الكعبة فأما إقليم أهل الحجاز واليمن فإن تقديرهم على ضد ذلك وقبلتهم إلى الركن اليماني وإلى مؤخر الكعبة فلذلك اختلف التقدير وتضادد الاختلاف للتوجه إلى شطر البيت وتفاوت الأمصار في الأقاليم المستديرة حوله فهذا كان تقدير المتقدمين وما سوى ذلك من التدقيق والتحرير فمحدث إلا أنه علم لأهله، ومن أشكل عليه الوقت لجهل بالأدلة أو لغيم اعترض فليتحرَّ بقلبه ويجتهد بعلمه ولا يصلِّ صلاة إلا بعد تيقن دخول وقتها وإن تأخر ذلك فهذا أفضل حينئذ ولكن قد جاء في الخبر ثلاث من مناقب الإيمان: الصيام في الصيف، وإسباغ الوضوء في الشتاء، وتعجيل الصلاة في يوم دجن، ومن أمثال العرب يوم الدجن يضرب فيه عبد السوء هذا لأن الوقت في الغيم كأنه يقصر لغيبة الشمس فيغفل الإنسان عن مراعاة الوقت أو يتشاغل عنه لأن الفرائض لا تقبل إلا عن يقين فأداؤها بعد دخول الوقت على اليقين أفضل من أدائها في الوقت على الشك، ألم تسمع إلى قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإن غم عليكم فأكملوا عدد شعبان ثلاثين، فترك الاحتياط لليقين، ومن صلّى وهو يرى أنه الوقت أو توجه إلى القبلة فيما يعلم ثم تبين له بعد أنه صلِّى قبل الوقت أو صلى لغير القبلة نظر فإن كان في الوقت أو بعده قليلاً أعاد الصلاة احتياطاً وإن كان للوقت قد خرج فلا شيء عليه وهو معفو الخطأ وأحب أن يعيد تلك الصلاة متى ذكرها.
وقال بعض العلماء: للشمس سبعة أزولة، ثلاثة منها لا يعلم بها البشر: الزوال الأول نزوله عن قطب الفلك الأعلى لا يشهده ولا يعلمه إلا الله عزّ وجلّ، والزوال الثاني عن وسط الفلك لا يعلمه من خلق اللّّه تعالى إلا خزان الشمس الموكلون بها الذين يرمونها بجبال الثلج ليسكن حرها ويحتبسوا شعاعها عن العالمين ويسوقونها على العجلة المركبة في الفلك، والزوال الثالث يعلمه ملائكة الأرض، ثم إن الزوال الرابع يكون على ثلاث دقائق وهو ربع شعيرة، والشعيرة جزء من اثني عشر جزءاً من ساعة، فهذا الزوال تعرفه الفلاسفة من المنجمين أهل العلم بمساحة الفلك وتركيب الأفلاك فيه وتقدير سير الشمس في الشتاء والصيف في فلكها منه فيقوّمون ذلك بالنظر في المرتجلات الطالعة على التقويم، فإذا زالت الشمس الزوال الخامس نصف شعيرة وهي ست دقائق عرف زوالها أهل الحساب والتقاويم بالإسطرلاب الطالع فإذا زالت شعيرة وهو الزوال السادس المشترك وهو جزء من اثني عشر جزءاً من ساعة عرف زوالها علماء المؤذنين وأصحاب مراعاة الأوقات فإذا زالت ثلاث شعيرات فهو الزوال السابع، وهو ربع ساعة عرف الناس كلهم