وروينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أخر المغرب حتى طلع كوكبان فأعتق رقبتين، وأفضل ما صليت فيه عشاء الآخرة إذا غاب البياض الغربي وأظلم مكانه وهو الشفق الثاني إلى ما بعد ذلك فتأخيرها أفضل إلى ربع الليل ما لم تنم والنوم قبلها مكروه شديد ووقت حسن في سنة أن تصلّي بمقدار غيبة القمر ليلة ثلاث من الشهر وهذا يكون بعد سبع ونصف من الليل لأنا روينا أنّ رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يصلّي العشاء الآخرة لسقوط القمر ليلة ثلاث، وأفضل ما صلّيت فيه صلاة الصبح إذا طلع الفجر الثاني وهي الصلاة الوسطى التي أفرد اللّّه تبارك وتعالى محافظتها لأنها تختص بمعان ثلاث من التوسط لا توجد في سائر الصلوات، منها أنها بين الليل والنهار، والثاني أنها بين صلاتين من صلاة الليل وصلاتين من صلاة النهار، والثالث أنها متوسطة بين صلاتي جهر وصلاتي مخافتة، وأيضاً فإنها أقصر الصلاة عدداً لا ثلاثاً ولا أربعاً، فلما اختصت بتوسط هذه المعاني دون غيرها كانت هي الوسطى، وأيضاً فإن اللّّه تعالى نص على ذكر الفجر في قوله عزّ وجلّ:(وَقُرْآنَ الْفَجْر إنَّ قُرآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) الإسراء: ٧٨، وقيل في تفسير ذلك تشهده ملائكة الليل والنهار فكان هذا ذكراً لها بوصف آخر توكيداً للمحافظة عليها فإن صح الخبر عن رسول اللّّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر بطل ما قلناه وثبت قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه هو الحق وبه نقول ولا أحسب الخبر إلا ثابتاً فقد جاء بأشد اليقين أخبرنا أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل عنها فقال: هي التي شغل عنها أخي سليمان حتى توارت بالحجاب، والسنة أن تقرأ في صلاة الصبح بسورة من المثاني أو بطوال المفصل لأنها قصرت وعوّض عنها طول القيام فإن كان أجمع للمصلين وأكثر لعددهم إذا توسط الوقت فحسن قبل أن تمحق النجوم فأما أن يسفر حتى ينتشر البياض تحت الحمرة وذلك هو شيء من شعاع الشمس فلا، وإن كثروا فصلاتها بغلس في القليل أفضل، والمحافظة على أوائل الأوقات من كل صلاة من أفضل الأعمال إلا ما ذكرناه من تأخير صلاة العشاء الآخرة للأثر فيه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضل الصلاة في أول الوقت على الصلاة في آخر الوقت كفضل الآخرة على الدنيا وفي الخبر أن العبد ليصلّي الصلاة في آخر وقتها ولما فاته من الوقت الأول خير له من الدنيا وما فيها، والخبر المشهور أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: الصلاة لوقتها، وقد جاء في الأثر الوقت الأول رضوان الله عزّ وجلّ والوقت الأخير عفو الله تبارك وتعالى، قيل: فرضوان الله عزّ وجلّ يكون للمحسنين وعفو اللّّه سبحانه وتعالى يكون عن المقصرين، والوقت الأول من كل صلاة من عزيمة الدين وطريقة المقيمين للصلاة المحافظين، والوقت الثاني رخصة في الدين وسعة من الله عزّ وجلّ ورحمة للغافلين.