للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبين خالقه، فسترها أفضل وأسلم له إلاّ أن يكون له نية في الإظهار أو يكون إماماً يستمع إليه ويقتبس منه الآثار، ويكون مكيناً في المعرفة يخبر بعلته وقلبه راض عن الله فيما قدره، أو يكون ممن يشهد البلاء نعمة فيكون إخباره بمثابة التحدّث بنعمة الله، وإلاّ فإظهار العلل لمن لا يتداوى نقص لحاله، وداخل في الشكاية لمولاه، لأنّ في الشكوى استراحة النفس من البلوى كالاستراحة بالدواء، وهذا لا يفعله عالم لأنّ الاستراحة بالدواء الذي أباحه له المولي خير من استراحته إلى العبيد بالشكوى، على أنّه لا يأمن دخول الآفات عليه في الأخبار من التصنع أو التزيد في العلّة وغير ذلك، وقيل في قوله عزّ وجلّ: (فَصَبْرٌ جَميلٌ) يوسف: ١٨، قال: لا شكوى فيه، وقال بعضهم: من بث شكواه فلم يصبر، وقيل ليعقوب عليه السلام: ما الذي أذهب بصرك؟ فقال: من الزمان وطول الأحزان، فأوحى الله إليه: تفرغت تشكوني إلى خلقي؟ فقال: يا رب، أتوب إليك، وعن طاووس ومجاهد: يكتب على المريض أنينه في مرضه، قال: وكانوا يكرهون أنين المريض لأنّه إظهار معنى يدل على شكوى، قيل: ما أصاب إبليس من أيوب إلاّ أنينه في مرضه، فجعل الأنين حظه منه، وفي الخبر: إذا مرض العبد أوحى الله تعالى إلى الملكين: انظرا إلى عبدي ما يقول لعواده فإن حمد الله وأنثى عليه بخير، ادعوا له وإن شكا وذكر شراً قالا: لا، كذلك يكون، وإنما كره بعض العباد العيادة خشية الشكاية وخوف الزيارة في القول أن يخبر عن العلّة بأكثر منها فيكون في ذلك كفراً لنعمة بين بلاءين، وكان بعضهم إذا مرض أغلق بابه فلم يدخل عليه أحد حتى يبرأ، فيخرج إليهم، منهم فضيل ووهيب، وبشر كان يقول: أشتهي أن أمرض بلا عواد، وقال فضيل: ما أكره العلّة إلا لأجل العواد، وقد رأينا من الصالحين من فعل ذلك ممن هو إمام وقدوة، ولا ينقص توكل المتوكل إخباره بعلته على معنى التحدث بها مع فقد آفات النفوس، إذا كان قلبه شاكراً لله راضياً بقضائه، ويكون بذلك مظهراً للافتقار والعجز بين يدي مولاه أو راغباً في دعاء إخوانه المؤمنين، أو يشهد ذلك نعمة فيحدث بها شكراً، وقد حكي أنّ بشر بن الحرث كان يخبر عبد الرحمن المتطبب بأوجاعه، فيصف له أشياء، وقيل عن أحمد بن حنبل أنّه كان يخبر بأمراضه ويقول: إنما أصف قدرة الله تعالى فيّ. وروي عن الحسن البصري: إذا حمد المريض الله عزّ وجلّ وشكره ثم ذكر علّته، لم

<<  <  ج: ص:  >  >>