للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ دَابَّةٍ لاَ تَحْمِلُ رِزِقْهَا الله يرزقها وَإيَّاكُمْ) العنكبوت: ٦٠ وقال تعالى في رزق الآخرة الذي وكل به: (وأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إلاّ مَا سَعى) النجم: ٣٩، ثم قد علم المتوكل بعدتوحيده أنّ هذه الأربعة الأشياء منتظمة في سلك واحد، كشيء واحد يقع وقعة واحدة رزق مقسوم لا يزاد فيه في وقت معلوم ولا يتقدم ولايتأخر بسبب محكوم، لا ينقلب عند أثر مكتوب ولايتغير، فالرزق بفضل الرازق والوقت الذي يظهر فضل العطاء لا يقع إلاّ في ظرف، والسبب حكمة القاسم والأثر حدّ المرزوق، فلما أيقن المتوكل بهذا كان إن تصرف بحكم، وإن قعد قعد بعلم، فاستوى تصرفه وقعوده لأنه قائم بحكم ما يقتضي منه في علم حاله عالم بحكم مصرفه ومقعده، فإن شغله مولاه بخدمته عن خدمة من سواه، فصرفه في معاملته دون معاملة العبيد ساق إليه رزقه كيف شاء من الوجوه وبيد من شاء من العبيد، يحفظه له عن مجاوزة الحدود، كما قال تعالى: (حَاِفظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ الله) النساء: ٣٤، وبتوليه له وعصمته إياه عن التورط في محظور، كما أخبر عن أوليائه في قوله عزّ وجلّ: (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّاِلحينَ) الأعراف: ١٩٦، وكان العبد فاضلاً في قعوده لشغله عن العبيد بمعبوده، بانقطاعه إلى معاملة الملك دون ما يقطعه من معاملة الملوك، وبهمة الآخرة عن الدنيا، وكان داخلاً في وصف ما أخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أهل كفاية الله، فيما روي عنه من جعل الهموم همَّا واحداً، كفاه الله آخرته، وخارجاً عن وصف من قطعه عن الله بهمة غيره وعرضه للهلكة في أودية الهموم، في قوله عليه السلام: من أصبح وهمه غير الله فليس من الله، وفي قوله: ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله في أي أوديتها هلك، فإن كان حال المتوكل أن يجري رزقه على يد نفسه وكسب جارحته فهو خزانة من خزائن الملك وهو عبد من عبيد الملك، يوصل إليه عن يد نفسه بما يوصله إليه عن يد غيره وسواه، ساق إليه الرزق أو ساقه إلى الرزق بعد أن يرزقه، لأن ما لقيته فقد لقيك، والعبد متوكل على الله في الحالين، ناظر إليه بالمعنيين، قائم بحكم حاله في الأمرين، عارف بحسن اختيار الله له في الحكمين، ومن ترك التكسب لأجل الله ثقة به وسكوناً إليه أو لدخول الآثام وتعذر القيام بالأحكام، فحسنهُ كحسن من عمل شيئاً لأجل الله لأن الترك عمل يحتاج إلى نية صالحة وأفضل الناس عندالله أتقاهم له وأتقاهم له أعرفهم به متصرفاً كان أو قاعداً، هذا هو فصل الخطاب.

وروينا في حديث عبد الله بن دينار عن عمرو بن ميمون عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أتدرون ما قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: حين استوى على عرشه ونظر إلى خلقه: عبادي، أنتم خلقي وأنا ربكم أرزاقكم بيدي فلا تتعبوا أنفسكم فيما تكفلت لكم به، واطلبوا أرزاقكم مني وانصبوا أنفسكم لي، وارفعوا حوائجكم إلي أصبّ عليكم أرزاقكم، أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: عبدي أنفق أنفق عليك ووسع

<<  <  ج: ص:  >  >>