للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نفسه بكسبه من قبل أنّ المولى يستحق عليه كسبه ويملك رقبته، فلما ملك عبده ذلك صار محسناً إليه فهذا حال عموم العبيد مع الله تعالى، لأنه مولاهم الحق وهم عبيده، قنٌّ فقال: اذهبوا فتكسبوا، وأطعموا أنفسكم فقد رزقتكم ذلك ووهبته لكم، وهذا هو الوجه الثاني الذي نزه الخصوص عنه تفضيلاً لهم، فلم يستسعهم وقطعهم فشغلهم بخدمته عن خدمة نفوسهم وخليقته، وتوكل لهم بكفايتهم ولم يوكلهم فيها كما وكلّ غيرهم، بل وكل بأرزاقهم من يشاء من عباده وهو معنى قوله تعالى (مَا أُريدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) الذاريات: ٥٧ لنفوسهم بدليل قوله تعالى (إنّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ) الذاريات: ٥٨، أي لهم بإقامة غيرهم وبإظهاره في قوله: وما أريد أن يطعمون، فكانت هذه الياء اسمه مكنّى بها وهذه إرداة مخصوصة لا عامة لكل مراد، فهي إرادة ابتلاء ومحبة بمعنى ما أحبّ: ومخصوصة بمخصوصين من عباده، كما كان قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجّنَّ وَالإنْسَ إلاّ لِيَعْبُدُونِ) الذاريات: ٥٦، كانت هذه الآية مخصوصة لمن عبده منهم معناها: مؤمني الجن والإنس لا عامة لجميع خلقه، والوجه الثالث أن يقول المولى منا لعبده: اخدمني وعليّ طعمتك، تقوم خدمتك لي مقام كسبك لنفسك، وهذا هو الوجه الأعلى الذي اختاره الله

تعالى، وأحبه لمن يحبه واختار له من عبده من العبيد من خصوص العاملين له، وهم العالمون به دون من صرفه في رزق نفسه بنفسه، وهو قوله تعالى: (إلاّ لِيَعْبُدُونِ) (مَا أُريدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) الذاريات: ٥٦ - ٥٧، أي أن يرزقوا نفوسهم بكسبهم الذي أبحته لهم، فيكونوا كغيرهم ممن قلت له: اذهب فتكسب، فقد أردت منك الرزق لنفسك بكسبك وقد وهبته لك، أي أنا أُريد من هؤلاء العبادة ولها خلقتهم فكل ميسر لما خلق له، فمن كانت صنعته العبادة وخلق لها، يسرت له، ومن كانت صنعته الدنيا وخلق لها، يسرت له، وفي الخبر أنّ الله تعالى خلق كل صانع وصنعته، ويقال إنّ الله تعالى لما أظهرالخلق في العدم أظهر لهم الصنائع كلها، ثم خيّرهم فاختار كل واحد صنعته، فلما أبداهم في الوجود أجرى على كل واحد ما اختار لنفسه قال: وانفردت طائفة فلم تختر شيئاً، فقال لها: اختاري فقالت: ما أعجبنا شيء رأيناه فنختاره قال: فأظهر مقامات العبادات فقالت: قد اخترنا خدمتك فقال: وعزّتي وجلالي لأخدمنّكم إياهم ولأسخرنّهم لكم، وفي الخبر: أوحى الله تعالى إلى الدنيا: اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك فالعبادة هي الخدمة، ومن ذلك قولهم: إياك نعيد ولك نصلِي ونسجد، وإليك

<<  <  ج: ص:  >  >>