للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوكيل في شيء واحد، فينبغي أن يكون التوكّل عليه واحداً في كل شيء، فالتوكل مقام رفيع من مقامات الأنبياء ومن أعالي درج الصدّيقين والشهداء؛ من تحقّق به فقد تحقّق بالتوحيد وكمل إيمانه وكان على مزيد، وانتفى عنه دقائق الشرك وخفايا تولي العدو فانقطع سلطانه عنه، قال الله سبحانه وتعالى: (إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِهُّم ْ يَتَوَكَّلُون) (إنَّما سُلْطَاُنهُ عَلى الَّذينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) النحل: ٩٩ - ١٠٠ يعني العدو، والذين هم به مشركون يعني الله سبحانه، فلم يشترط نفي سلطان العدو بالإيمان مجرّداً حتى يقيمه في مقام التوكّل في اليقين، فلذلك فصلنا شرحه وأطلقنا تفصيله لأنّ من أعطى مقاماً من التوكّل على حقيقة مشاهدة الوكيل انتظم له جمل مقامات اليقين وأحوال المتقّين، كما قال عبد الله بن مسعود: التوكل جماع الإيمان وقد يبتلى المتوكل في توكّله بالأسباب والأشخاص والأغراض وضروب المعاني، كما يبتلى سائر أهل المقامات ويبقى عليه من العدو نزغ وطيف لا غير دون الاقتران والاستحواذ، يختبر بذلك صدقه في توكّله حتى يرد في جميع ذلك نظره إلى وكيله ليجزى جزاء الصادقين المقرّبين، أو ليكشف له دعواه فيعلم كذب نفسه، فيكون مردوداً إلى التوبة، كما قال تعالى: (لِيَجْزِيَ الله الصَّادِقينَ بصدْقِهِمْ) الأحزاب: ٢٤، وحسب جزاء المتوكلّين أن يكون الصادق حسبهم وأن يكون خلعة الصدق شعارهم ثم قال تعالى: (وَيُعَذِّب الْمنافِقينَ إنْ شَاءَ أوْ يَتوبَ عَلَيْهِمْ) الأحزاب: ٢٤، فأحسن حال المدّعين التوبة بها يخرجون من ظلمهم، وقال تعالى: (أحَسِبَ النَّاسُ أنْ يتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ) العنكبوت: ٢، ثم أخبر بسنته التي قد خلت في عباده فقال: ولقد فتنّا الذين من قبلهم فليعلمنّ الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين، ولن تجد لسنّة الله تبديلاً، فليقل المتوكّل عند خروجه من منزله معتقداً لذلك بعد غلق بابه للأمر والسنّة: اللهم إنّ جميع ما في منزلي إن سلطت عليه من يأخذه فهو في سبيلك صدقة منّي على من أخذه، فإن أخذ ما في منزله كان له في ذلك سبع معاملات: إحداهما قبول توكله على الله بتدبير الله أمره كيف شاء، واختيار الله له نقصان الدنيا، وإذهاب ما لعله يفتتن بتبقيته، والثانية اختيار الله تعالى لعبده وابتلاؤه إياه بفقد محبوبه ليظهر صدقه ومسألته، أو ليستيبن للعبد كذبه، فإن حمد الله وشكره على حسن بلائه ولم تضطرب نفسه أعطي ثواب الشاكرين الراضين، كما جاء في العلم المكنون عن بعض أنبيائه قال: يا رب من أولياؤك؟ قال: الذين إذا أخذت منه المحبوب سالمني، والثانية إن اضطربت نفسه وجزعت جاهدها بالصبر والصمت وحسن الثناء على الله وترك الشكاية إلى عبيده، فأعطي ثواب الصابرين المجاهدين، والرابعة إن لم يكن في هذا المقام ولا في المقام الأوّل انكشف له بطلان دعواه وظهر له خفيّ كذبه في حياته، فاعترف بذلك واعتذر إلى الله واستكان وخضع، فيكون هذا أيضاً مزيد مثله على معنى الإعلام والبيان، فيعلم إنه

<<  <  ج: ص:  >  >>