وإنما كرهو ما كره الله طاعة لله، فذلك كراهة ما كره حبّاً للّّه واكتراماً لحكمه عليهم، لاكراهة ما قضى إذ ليس لهم أن يقولوا: فلم قضيت ما تكره ولِمَ كرهت ما قضيت؟ هو أجلّ وأعظم، وفي نفوسهم أخوف وأهيب أن يواجهوه بهذا الخطاب في قول أو عقد، بل عرفوا حكمته فيه وصبروا على حكمه به، وإنّما توكّل العلماء به عليه لأجل أنه يحبّ المتوكّلين ولأجل أنه يستحقّ التفويض إليه ويستوجب التسليم له، إذ كان هو الوكيل الأوّل والكفيل الآجلّ حين سمعوه يقول: والله على شيء وكيل، ثم استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه، وحين فقهوا قوله: ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون، ولما عقلوا من خطابه: أليس الله بأحكم الحاكمين أو لأجل أنه أمر بالتوكّل، وندب إليه وحقق الإيمان به؛ إذ سمعوه تعالى يقول: أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت، أمن يملك السمع والأبصار ومن يدبر الأمر؟ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، وفي السماء رزقكم، وما توعدون، ثم أقسم عليه بنفسه أنه حقّ فتوكّلوا عليه إستحياءً، منه ولوجود اليقين الذي رفع خفايا الشكّ وحذّر من التهمة له وتوثقة بالاعتقاد عليه؛ فمنهم من توكّل عليه لأجل هذه المعاني كلها، ومنهم من توكل عليه لمشاهدة بعضها فكل عبد توكّله عن الوصف الذي به عرفه، وكلّ عرفه عن العذر المتجلي الذي عرفه؛ فكلّ يطيعه على قدر قربه منه، وكلّ يقرب على قدر علمه بقربه منه بقدر مايعرف من كينونية في مكنون كأنه، وكلّ بعلمه على قدر عنايته به ومن ورائه سرّ القدر، فمشاهدة كلّ عبد من مقامه وحاله عن وجد شهادته وجزاؤه نحو معاملته، والله يضاعف لمن يشاء هم درجات عند الله، والله بصير بما يعملون، لهم دار السلام عند ربهم وهو وليّهم بما كانوا يعملون، فدار السلام جامعة لهم وهم متفاوتون في درجاتها كدار الدنيا تجمعهم، وهو يرفعهم لديه في ملكوتها بتخصيص التولي وحسن الولايات عن تحسين المعاملات، الله يجيبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب، ومن الخصوص من توكّل عليه تعظيماً له وإجلالاً، ومنهم من توكّل عليه يقيناً بوعده ليحقّق صدقه كأنه قد أخذ الموعود بيده إذ يقول تعالى: ومن أوفى بعهده من الله أنّه كان وعده مأتياً، ومنهم من توكّل عليه استسلاماً لما شهد من قهر عزّه وعظيم قدره، ومنهم من توكّل عليه ليحفظ عليه ماله فيه، ومنهم من توكّل عليه ليحفظ له ما استحفظه ويعصمه في ماله عليه،