للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عظيم للرضا، ولأن بالرضا دام لهم النظر لما كان الرضا موجب النظر، سألوا دوام الرضا ليدوم القرب والنظر، فسألوه تمام النعمة من حيث بدايتها، ولا يصلح أن يظهر في معنى قولهم: رضاك أكبر من هذا، ولا يرسم في كتاب حقيقة الأمر لأنّه على كشف وصف من صفات الذات، يوجب على العبد هيبة الربوبية، وخوف هذا عن القلوب محجوب وحكمة من سرائر الغيوب، وهذا في الدنيا ثواب لأهل الخشية عن معرفة خاصية، قال الله سبحانه: (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) البينة: ٨، وقال بعض المفسرين في قوله تعالى: (وَلَدَيْنَا مَزيدٌ) ق: ٣٥ قال: يأتي أهل الجنة في وقت المزيد ثلاث تحف من عند رب العالمين: أحدها هدية من عند الله ليس عندهم في الجنان مثلها، وذلك قوله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) السجدة: ١٧والثانية السلام عليهم من ربّهم فيزيد ذلك على الهداية، فهو قوله تعالى: (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحيمٍ) يس: ٥٨ والثالثة يقول الله تعالى إني عنكم راض فيكون ذلك أفضل من الهدية ومن التسليم، فذلك قوله تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) التوبة: ٧٢ من النعيم الذي هم فيه، وروي أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لطائفة من المؤ منين: ماأنتم؟ قالوا نحن المؤمنون، فقال: ماعلامة إيمانكم قالوا: نصبر عند البلاء ونشكر عند الرضا ونرضى بمواقع القضاء، فقال: مؤمنون ورب الكعبة، وفي خبر آخر أنّه قال: حلماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء، فشهد لهم بالإيمان بعد وصف الرضا، وكذلك جعل لقمان الحكيم الرضا من شرط الإيمان لايصلح إلا به، فقال في وصيته: للإيمان أربعة أركان لا يصلح إلا بهنّ، كما لا يصلح الجسد إلاّ باليدين والرجلين: ذكر منها الرضا بقدر الله وحدثونا في الإسرائيليات أنّ عابداً عبد الله دهراً طويلاً، فرأي في المنام فلانة الراعية رفيقتك في الجنة، فسأل عنها إلى أن وجدها، فاستضافها ثلاثاً لينظر إلى عملها فكان يبيت قائماً وتبيت نائمة، ويظل صائماً وتظل مفطرة، فقال: أما لك عمل غير مارأيت؟ قالت: ما هو والله إلاّ مارأيت، لا أعرف غيره، فلم يزل يقول: تذكري حتى قالت: خصيلة واحدة هي فيَّ، إن كنت في شدة لم أتمنَّ في رخاء، وإن كنت في مرض لم أتمنَّ أني في صحة، وإن كنت في الشمس لم أتمنَّ أني في الظل قال: فوضع العابد يده على رأسه فقال: أهذه خصيلة؟ هذه والله خصلة عظيمة يعجز عنها العبد، وقد روينا عن ابن مسعود: من رضي بما ينزل من السماء إلى الأرض غفر له، وقال أبو الدرداد: ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضا بالقدر.

وروي عن محمد بن حويطب عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من خير ما أعطي العبد الرضا بما قسم

<<  <  ج: ص:  >  >>