للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعتلّ حذيفة علّة الموت فجعل يقول: أخنق خناقك فوعزتك أنك لتعلم أنّي أحبك، فلما حضره الموت جعل يقول: حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم، وروى أيضاً مثل هذا عن أبي هريرة، ولما قدم سعد إلى مكة وكان قد كفّ بصره جاءه الناس يهرعون، كل واحد يسأله أن يدعو له فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة، دعا له رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذلك، قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام فتعرفت إليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم، فذكر قصة قال في آخرها فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك فردّ الله عليك بصرك، فتبسم ثم قال: يابني، قضاء الله عندي أحسن من بصري، وقال إنّ بعض هذه الطائفة ضاع ولده وكان صغيراً ثلاثة أيام لا يعرف له خبراً فقيل له: لو سألت الله أن يرده عليك فقال: اعتراضي عليه فيما قضى أشدّ من ذهاب ولدي، وقد روينا عن بعض العباد أنه قال: أذنبت ذنباً فأنا أبكي عليه منذ ثلاثين سنة، وكان قد اجتهد في العبادة لأجل التوبة من ذلك الذنب قيل له: وما هو قال: قلت مرة لشيء كان: ليته لم يكن، وقال بعض السف: لو قرض جسمي بالمقاريض كان أحبّ إليّ من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يقضه، وحدثونا عن بشر الحافي قال: رأيت بعبادان رجلاً قد قطعه البلاء وقد سالت حدقتاه على خديه، وهو في ذلك كثير الذكر عظيم الشكر لله، قال وإذا هو قد صرع من حبه به قال: فوضعت رأسه في حجري وجعلت أسأل الله عزّ وجلّ كشف مابه، وأدعو له، فأفاق فسمع دعائي فقال: من هذا الفضولي الذي يدخل بيني وبين ربي ويعترض عليه في نعمه عليّ؟ قال ونحى رأسه، قال بشر فاعتقدت أن لا أعترض على عبد في نعمة أراها عليه من البلاء، وقيل لعبد الواحد ابن زيد: ههنا رجل قد تعبد خمسين سنة فقصده فقال: حبيبي أخبرني عنك هل قنعت به قال: لا قال: هل أنست به قال: لا قال: فهل رضيت عنه قال: لا قال: فإنما مزيدك منه الصوم والصلاة قال: نعم قال: لولا أني أستحي منك لأخبرتك أنّ معاملتك خمسين سنة مدخوله، أراد بذلك أنه لم يقربك فيجعلك في المقربين فيكون مزيدك لديه من أعمال القلوب، وكذلك يصنع بأوليائه، إنما أنت عنده في طبقة أصحاب اليمين، فمزيد العموم من أعمال الجوارح، وقد يكون الرجل مخلصاً في مقامه وإن كان فوقه فوق، وقد روينا عن ابن محيريز، وكان من عباد أهل الشام وعلمائهم، كلمة غريبة المعنى دقيقة في معنى المخالفة لله عزّ وجلّ، وإن كان قد فسرها فإنه لم يكشف معناها لفهم السامعين منه والحاضرين عنده فيحتاج تفسيرها إلى تفسير، روينا عنه أنه قال: كلكم يلقى الله تعالى، ولعله قد كذبه وذلك أن أحدكم لو كان له أصبع من ذهب ظل يشير بها، ولو كان به شلل ظل يواريها، يعني بذلك أن الذهب من زينة الدنيا، وقد ذم الله تعالى الدنيا وأنّ البلاء زينة أهل الآخرة وقدّ مدح الله الآخرة، أي فأنت إذا أعطاك زينة الدنيا أظهرتها

<<  <  ج: ص:  >  >>