لكل أهل الموقف، وهو أفضل يوم في الدنيا، وفيه حجّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حجة الوداع، ولم يحج بعد نزول فرض الحج غيرها، وعليه نزلت هذه الآية وهو وافق بعرفة (اليَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتي وَرَضيتُ لَكُمْ الإسْلامَ ديناً) المائدة: ٣ وقال علماء أهل الكتاب: لو أنزلت علينا هذه الآية لجعلنا يومها عيداً، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أشهد لقد أنزلت في يوم عيدين اثنين؛ يوم عرفة ويوم جمعة على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو واقف بعرفة، وقد روينا في تفسير قوله تعالى: ليشهدوا منافع لهم؛ عن جماعة من السلف قال: غفر لهم وربّ الكعبة، وفي تفسير قوله تعالى: لأقعدن لهم صراطك المستقيم؛ قال: طريق مكة بصدهم عنه
وروينا عن مجاهد وغيره من العلماء: دخل حديث أحدهما في الآخرة، كانوا يتلقون الحاج يدعون لهم قبل أن يتدنسوا ويقولون: تقبل الله منا ومنكم، وأنّ الحاج إذا قدموا مكة تلقتهم الملائكة فسلموا على ركبان الإبل وصافحوا ركبان الحمير واعتنقوا المشاة اعتناقاً، وقال الحسن: من مات يعقب شهر رمضان، أو يعقب غرواً، أو يعقب حجّاً، مات شهيداً، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: الحاج مغفور له ولمن استغفر له شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول، وقد كان من سنة السلف أن يشيعوا الغزاة وأن يستقبلوا الحاج ويقبلوا بين أعينهم ويسألوهم الدعاء لهم، وفي الخبر: اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج. وحدثونا عن عليّ بن الموفق قال: حججت سنة فلما كان ليلة عرفة بتّ بمنى في مسجد الخيف، فرأيت في المنام كأنّ ملكين قد نزلا من السماء عليهما ثياب خضر فنادى أحدهما صاحبه: يا عبيد الله، فقال الآخر: لبيك يا عبد الله، قال: تدري كم حجّ بيت ربنا في هذه السنة؟ قال: لا أدري، قال: حجّ بيت ربنا ستمائة ألف، فتدري كم قبل منهم؟ قال: لا، قال: قبل منهم ستة أنفس، قال: ثم ارتفعا في الهواء فغابا عني فانتبهت فزعاً فاغتممت غمّاً شديداً وأهمني أمري فقلت: إذا قبل حجّ ست أنفس فأين أكون أنا في ستة أنفس؟ فلما أفضنا من عرفة وبت عند المشعر الحرام جعلت أفكر في كثرة الخلق وفي قلة من قبل منهم فحملني النوم، فإذا الشخصان قد نزلا من السماء على هيئتهما فنادى أحدهما: يا عبد الله، قال: لبيك يا عبد الله، قال: تدري كم حجّ بيت ربنا؟ قال: نعم ستمائة ألف، قال: فتدري كم قبل منهم؟ قال: نعم ستة أنفس، قال: فتدري ماذا حكم ربنا في هذه الليلة؟ قال: لا، قال: فإنه وهب لكل واحد من الستة مائة ألف، قال: فانتبهت وبي من السرور ما يجلّ من الوصف، ذكر في هذه القصة ستة ولم يذكر السابع؛ وهؤلاء هم الأبدال السبعة أوتاد الأرض المنظور إليهم كفاحاً، ثم ينظر إلى قلوب الأولياء من وراء قلوبهم، فأنوار هؤلاء عن نور الجلال وأنوار الأولياء من أنوارهم، وأنصبتهم وعلومهم من أنصبة هؤلاء وعلومهم، فلم