سمع قرآن مسيلمة الكذاب الذي افتعله وتخرصه يضاهي به كلام الله تعالى، والله ما خرج هذا من آل ولا من تقي، قال أبو عبيدة: يعني ما خرج من الله تعالى، قال: وفيه دليل أنّ القرآن غير مخلوق، وأنه خرج من الله تعالى تكلم به، قال ومن هذا قوله تعالى:(لاَ يَرْقُبُونَ في مُؤمِنٍ إلاًّ وَلاَ ذِمَّةً) التوبة: ١٠معناه الله عزّ وجلّ لا يرقبونه.
وقد روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمعنى ذلك في قوله: فضل كلام الله عزّ وجلّ على سائر الكلام كفضل الله تعالى على خلقه، وذلك أنه خرج منه، وقرأت في مصحف ابن مسعود قال: يا موسى قد فضّلتك برسالاتي وبكلامي على الناس، وهذا لا يجوز فيه إلاّ التكلم بالذات مع قوله سبحانه وتعالى:(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكُلِيماً) النساء: ١٦٤، قال أهل اللغة: المصدر إذا أدخل في الفعل فهو للمواجهة والوصف لا للأمر بالفعل، ولا على المجاز، ثم تسليم أخيار الصفات فيما ثبتت به الروايات وصحّ النقل، ولا يتأول ذلك ولايشبه بالقياس والعقل، ولكن يعتقد إثبات الأسماء والصفات بمعانيها وحقائقها لله تعالى، وينفي التشبيه والتكييف عنها إذ لا كُفُؤَ للموصوف فيشبه، ولا مثل له فيجنس منه، ولا نشبه ونصف، ولا نمثل ونعرف، ولا نكيف، وفي رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام من قبل أنّ الناقلين إلينا ذلك هم ناقلو شرائع الدين وأحكام الإيمان، فإن كانوا عدولاً فيما نقلوه من الشريعة فالعدل مقبول القول في كل ما نقله، وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من أخبار الصفات فالكذاب مردود القول في كل ما جاء به، والكذب على الله كفر، فكيف تقبل شهادة كافر؟ وإذ جاز أن يجترِئُوا على الله عزّ وجلّ بأن يزيدوا في صفاته ما لم يسمعوه عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم إلى أن يكذبوا على الرسول فيما من الأحكام أولى، ففي ذلك إبطال الشريعة، وتكفير النقلة من الصحابة والتابعين بإحسان، فلذلك كفر أصحاب الحديث من نفي أخبار الصفات، ويعتقد تفضيل أصحاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأهل بيته رضي الله عنهم ورضوا عنه كافة، ويسكت عمّا شجر بينهم، وينشر محاسنهم وفضائلهم لتأتلف القلوب بذلك، ونسلم لكل واحد منهم ما فعله، لأنهم أوفر وأعلى عقولاً منا، فقد علم كل واحد بعلمه ومنتهى عقله فيما أدى إليه اجتهاده، وإن كان بعضهم أعلم من بعض، كما أن بعضهم أفضل من بعض، إلاّ أنّ علومنا وعقولنا تضعف وتنقص عن علم أدناهم علماً، كما فضّلوا علينا بالسوابق سبقاً وتقدّم من قدم الله ورسوله وأجمعِ المسلمون الذين تولى الله إجماعهم على الهداية، وضمن لرسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تفضيلاً لهم وتشريفاً لهم أن لا يجتمعوا على ضلالة، وقد قال عليّ لما قيل له: ألا تستخلف علينا؟ فقال: لا أستخلف عليكم بل أكلكم إلى الله عزّ وجلّ، فإن يرد بكم خيراً جمعكم بعد نبيكم على خيركم.