للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو أعمال الجوارح، والإيمان باطن الإسلام وهو أعمال القلوب.

روي عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسلام علانية والإيمان سرّ، وفي لفظ آخر: والإيمان في القلب، فالإسلام أعمال الإيمان والإيمان، عقود الإسلام، فلا إيمان إلاّ بعمل ولا عمل إلاّ بعقد، ومثل ذلك مثل العلم الظاهر والباطن؛ أحدهما مرتبط بصاحبه من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، ومثله قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما الأعمال بالنية؛ أي لا عمل إلاّ بعقد وقصد، لأنّ قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنما تحقيق للشيء ونفي لما سواه، فأثبت بذلك عمل الجوارح من المعاملات، وأعمال القلوب من النيات، فمثل العلم من الإيمان كمثل الشفتين من اللسان، لا يصحّ الكلام إلاّ بهما، لأنّ الشفتين تجمع الحروف، واللسان يظهر الكلام، وفي سقوط أحدهما بطلان الكلام، كذلك في سقوط العمل ذهاب الإيمان، ولذلك عدد الله تعالى في نعمته على الإنسان بالكلام ذكر الشفتين مع اللسان في قوله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) البلد: ٨ - ٩، المعنى: ألم نجعله ناظراً متكلّماً؟ فعبّر عن الكلام باللسان والشفتين لأنهما مكان له، وذكره الشفتين لأنّ الكلام الذي جرت النعمة به لا يتمّ إلاّ بهما، ومثل الإيمان والإسلام أيضاً كفسطاط قائم في الأرض له ظاهر متجاف وأطناب، وله عمود في باطنه، فالفسطاط مثل الإسلام له أركان من أعمال العلانية والجوارح، وهي الأطناب التي تمسك أرجاء الفسطاط، والعمود الذي في باطن الفسطاط مثله كالإيمان لا قوام للفسطاط إلاّ به، فقد احتاج الفسطاط إليهما، إذ لا استقامة له ولا قوة إلاّ بهما، كذلك الإسلام من أعمال الجوارح، ولا قوام له إلاّ بالإيمان، والإيمان من أعمال القلوب لا نفع له إلاّ بالإسلام؛ وهو صالح الأعمال، وقد عبّر الله تعالى عن الإيمان بالإسلام، فلولا أنهما كشيء واحد ما عبّر عن أحدهما بالآخر، فقال سبحانه: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ المُسْلِمِِينَ) الذاريات: ٣٥ - ٣٦، ولم يكونا بيتين إنما هم أهل بيت واحد لوط وبناته، وقال عزّ وجلّ في مثله: (إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِالله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمينَ) يونس: ٨٤ فعطف بقوله: إن كنتم مسلمين على قوله: إن كنتم آمنتم، فدلّ على أنهما اسمان بمعنى واحد؛ وهذا كقوله تعالى فيما عبر عن الأيام بالليالي، لأن اليوم مرتبط بالليلة وأنت تعلم أنهما شيئان، فقال في قصة واحدة: (قَالَ آيَتُكَ أَلاًَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً) آل عمران: ٤١ وقال أيضاً سبحانه: (آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً) مريم: ١،، وأيضاً فإن الله تعالى قد جعل ضدّ الإسلام والإيمان واحد، فلولا أنهما كشيء واحد في الحكم والمعنى ما كان ضدهما

<<  <  ج: ص:  >  >>