للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محاسبة على الأعمال وهم، أمم الأنبياء المرسل إليه م المرسلون لقوله تعالى: (فَلَنَسْألَنَّ الَّذين أُرْسِلَ إلَيْهِمْ) الأعراف: ٦.

وقد روينا في الخبر المشهور: من نوقش الحساب عذّب فقيل: يا رسول الله أليس اللّّه تعالى يقول: فسوف يحاسب حسابًايسيراً؟ فقال ذلك العرض ومن نوقش الحساب عذّب، وقد كان إمامنا سهل بن عبد الله يقول: يسأل الكفّار عن التوحيد ولا يسألون عن السنّة، ويسأل المبتدعون عن السنّة، ويسأل المسلمون عن الأعمال، فأما قوله تعالى: (إنَّ إلَيْنَا إيَابَهُمْ ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) الغاشية: ٢٥ - ٢٦ ففيها وجهان: أحد الوجهين أن يكون هذا كلامًا منفصلاً عما قبله يراد به المسلمون لأنه ذكر خبر الكفّار فختمه بالعذاب، فقال في أول الكلام: (إلاّ من تولّى وكفر فيعذبه اللّّه العذاب الأكبر) الغاشية: ٢٣ - ٢٤ هذا آخر خبرهم، ثم استأنف مخبرًا عن غيرهم فقال إنّ إلينا إيابهم ثم إنَّ علينا حسابهم، والوجه الآخر أن يكون قوله تعالى: (ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) الغاشية: ٢٥ أي جزاءهم، فالحساب أيما ذكر للكفّار يكون بمعنى المجازاة على أعمالهم السيئة وكذلك قوله تعالى: (ووَجَدَ الله عِنْدَه فَوَفّاهُ حِسَابَهُ) النور: ٣٩ يعني جزاءه، إلاّ إنّ الفراء وغيره من أهل اللسان خالفونا في هذا فاعتبروه بما بعده فجعلوه دليلاً على المحاسبة قالوا: احتمل أن يكون قوله فوفاه حسابه أن يكون جزاءه كما قلنا واحتمل أن يريد محاسبته، فلما قيل: والله سريع الحساب كشف التنزيل التأويل بذلك أنّ حسابه يعني محاسبته، وكذلك قال الزجاج في تأويل ما ذكرناه آنفًا من قوله: (وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهمُ المُجْرِمونَ) القصص: ٧٨ فقال معناه لا يسألون لتوجه من قبلهم أو ليرجع إليه م من علم ذلك وسبقه عليهم، أي قد فرغ الله عزّ وجلّ من ذلك فأحكمه بما سبق من علمه، وواطأه مقاتل بن سليمان على هذا التأويل باختلاف معنى بمعنى صنعته التفسير، لأنه لم يكن له في اللغة تمكين، فقال: معنى ذلك: ولا يسأل هؤلاء المجرمون عن ذنوب السالفين؛ فجعل الهاء والميم على من تقدم ذكره من قارون وأصحابه والقرون السالفة، لأنّ ذكرهم كان سياق هذا الخطاب في قوله تعالى: (أَوَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الله قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هو أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا) القصص: ٧٨، ثم قال: ولايسأل عن ذنوبهم؛ يعني هؤلاء المجرمون؛ يعني مشركي هذه الأمة، وقال أيضاً هو وغيره: إنّ الكفّار سألوا فقالوا: ترى ماذا فعل الله تعالى بالقرون الأولى الذين يقص علينا نبأهم؟ قال: فنزلت هذه الآية فهي بمنزلة قول فرعون، قال: فما بال القرون الأولى؟ فقال موسى عليه السلام: علمها عند ربي، إلاّ أنّ الله عزّ وجلّ قد قال في ذكر الحساب بمعنى الجزاء دعطاء حسابًا يعني مجازاة، وقيل: كفاية بمعنى كفاهم وأحسبهم ذلك، كما قال تعالى: (حَسْبُهمْ جَهَنَّمُ) المجادلة: ٨، أي كافيهم ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>