للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرض الرغيف والخمير فلم يرَ به بأساً آخر الزيادة في الجديد، ومن الأصل الأول خمسة لا تجاب دعوتهم وإن دعي رجل ولم يعلم ثم علم فلا حرج عليه، أن يخرج من بيته المبتدع، وأعوان الظلمة، وآكل الربا، والفاسق المعلن بفسقه، ومن كان الأغلب على ماله الحرام ولم يكن يردع عن الآثام في معاملته الأنام لأنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لا تأكل إلاّ طعام تقي وذاك لأن التقي قد كفاك الاجتهاد في المأكول للتقوى فأغناك عن السؤال عنه، لأن التقي إذا أطعمته استعان على الطعمة على البرّ والتقوى فتصير معاوناً له عليها، كما قال تعالى، فيشركه في برّه والفاجر والظالم إن أكلت طعامهما صرت من أعوان الظلمة بمشاركتك لهما في الطمعة، كما سأل خياط ابن المبارك فقال: إني أخيط لبعض وكلاء هؤلاء يعني الأمراء فهل يخاف أن أكون من أعوان الظلمة؟ فقال: لست من أعوان الظلمة بل أنت من الظلمة، أعوان الظلمة من يبيع منك الخيوط والإبر، وقد عمل ذو النون المصري أغمض من هذا الورع، وما سمعت أدق منه، إن السلطان لما سجنه في كلام أنكره عليه العامّة من العلم الغامض كانت المائدة من قبل السلطان تختلف إليه فلم يكن يطعم منها شيئاً، ولم يأكل أياماً كثيرة مدة مقامه في السجن، فكانت له أخت قد آخته في الله تعالى تبعث إليه من مغزلها وتدفعه إلى السجّان فيحمله إليه ويعرفه أنه من قبل تلك العجوز الصالحة، فلم يأكل أيضاً منه، فلما خرج لقيته العجوز فعاتبته على ردّ الطعام وقالت: قد علمت أنه كان من مغزلي؟ فقال: نعم، إلا أنه جاءني على طبق ظالم فرددته لأجل الظرف يعني بهذا يد السجان، ولعمري أنّا روينا عن عليّ عليه السلام أنه أهدى له دهقان بالكوفة في يوم عيد لهم خبيصاً على جام من ذهب يكرمه بذلك، فردّه ولم يأكل منه، قال: رددته لأجل ظرفه الذي كان فيه، وقيل: من أكل لقمة من حرام قسا قلبه أربعين يوماً، ويقال: أظلم قلبه، ومن أكل الحلال أربعين يوماً زهد في الدنيا وأدخل الله تعالى في قلبه وأجرى الحكمة على لسانه، وقال بعض السلف: أوّل لقمة يأكلها العبد من حلال يغفر الله تعالى له بها ما تقدم من ذنبه، وقال الآخر: من أقام نفسه مقام ذلّ في طلب الحلال تساقطت عنه ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر في الشتاء، وكان سهل يقول في السائحين في الأمصار والمنقطعين بالأسفار: إنّ الرجل ليدخل قرية فيجوع، ولا يقدر على الشبهات فلا يأكل، ويبيت تلك الليلة جائعاً، فيجعل في ميزانه جميع أعمال أهل تلك القرية، ومن أجبره سلطان على طعام أو قدم إليه شبهة أكرهه على أكلها، فليتعلل بعلالة منه، وليتغيّر تغيّراً، ولا يقصد طيباً ولا يكبر اللقمة، ولا يستكثر في الطعمة وليأكل ما يسدّ رمقه، وما يخاف التلف بنفسه، إن هو فارقه، حدثني بعض الشهود: إنّ مزكياً من بعض أهل العلم بخراسان ردّ شهادة شاهد أكل من طعام سلطان كان أجبره فقال: إنه كان أجبرني على الأكل، فقال: قد علمت ذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>