الْمَاءُ) البقرة: ٧٤ قال: هي العين القليلة البكاء (وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله) البقرة: ٧٤ قال: هو بكاء القلب من غير دموع عين قال ثابت البناني: رأيت في النوم كأني أقرأ على رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرآن، فلما فرغت قال هذه القراءة فأين البكاء؟ وكان الحسن يقول: والله ما أصبح اليوم عبد يتلو هذا القرآن يؤمن به إلا كثر حرنه وقل فرحه وكثر بكاؤه وقل ضحكه وكبر نصبه وشغله وقلت راحته وبطالته.
والناس في التلاوة على ثلاث مقامات، أعلاهم من شهد أوصاف المتكلم في كلامه ويعرف أخلاقه بمعاني خطابه، وهذا مقام العارفين من المقربين، ومنهم من يشهد ربه تعالى يناجيه بألطافه ويخاطبه بإنعامه وإحسانه، فمقام هذا الحياء والتعظيم وحاله الإصغاء والفهم، وهذا للأبرار من أصحاب اليمين، ومنهم من يرى أنه يناجي ربّه عزّ وجلّ فمقامه السؤال والتملّق وحاله الطلب والتعلّق، وهذا للمعترفين والمريدين وهم من خصوص أصحاب اليمين، وينبغي للعبد أن يشهد في التلاوة أن مولاه يخاطبه بالكلام لأنه سبحانه متكلّم بكلام نفسه وليس للعبد في كلامه كلام إنما جعل له حركة اللسان بوصفه وتيسير الذكر بلسانه بحكم ربه عزّ وجلّ حداً للعبد ومكاناً له، كما كانت الشجرة وجهة لموسى عليه السلام وكلمة الله عزّ وجلّ منها، ويقال: إن كل حرف من كلام الله عزّ وجلّ في اللوح المحفوظ أعظم من جبل قاف وإن الملائكة لو اجتمعت على الحرف الواحد أن يتلوه ما أطاقوه حتى يأتي إسرافيل وهو ملك اللوح المحفوظ فيرفعه فيقله بإذن الله عزّ وجلّ ورحمته إذ كان الله تعالى أطاقه ذلك لما استعمله به، وقال جعفر بن محمد الصادق: والله لقد تجلّى الله عزّ وجلّ لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون، وقال أيضاً: وقد سألوه عن شيء لحقه في الصلاة حتى خرّ مغشياً عليه فلما سُرِيَ عنه قيل له في ذلك فقال: ما زلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته تعالى، وكذلك الخصوص يرددون الآية بقلوبهم على قلوبهم ويتحقّقون بها في مشاهدتهم بمدد من شهيدهم وسيدهم حتى يستغرقهم الفهم فيغرقون في بحر العلم، فإن قصرت مشاهدة التالي عن هذا المقام فيشهد أنه يناجيه بكلامه ويتملقه بمناجاته، فإن الله عزّ وجلّ إنما خاطبه بلسانه وكلّمه بحركته وصوته ليفهم عنه بعلمه الذي جعل له ويعقل عنه بفهمه الذي قسم له حكمة منه ورحمة، إذ لو تكلم الجبار عزّ وجلّ بوصفه الذي يدركه سمعه لما ثبت للكلام عرش ولا ثري لتلاشي ما بينهما من عظمة سلطانه وسبحات أنواره فحجب ذلك في غيب علمه عن العقول وستر بصنع قدرته عن القلوب وأظهر للقلوب علوم عقولها وأشهد للعقول عرف معقولها بلطفه وحنانه ورحمته وإحسانه.
وبلغنا في الأخبار السالفة أن ولياً من أولياء الله عزّ وجلّ من الصديقين ابتعثه في