وقد قال بعض السلف: النكاح رقّ فلينظر أحدكم عند من يرقّ كريمته، وقال بعضهم: لا تنكح إلاّ الأتقياء فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها أنصفها، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء، وأنكحوا إليهم، ولا نكاح إلاّ بولي وشاهدي عدل، وإن كانت ثيبًا فإن لم يكن ولّي فالسلطان ولي من لا ولي له أو من ولاه الحكم كذلك السنّة، وليتعلم المتزوّج علم الحيض واختلاف أوقاته وزيادته ونقصانه وأحكام الاستحاضة من ذلك، وعلم وقت الأطهار ليعلمها ذلك وليغنيها بذلك عن السؤال والظهور إلى الرجال، ثم ليعلم أهله علم ما لا يسعهم جهله من الفرائض وأحكام الصلاة وشرائع الإسلام واعتقادات المؤمنين من السنّة وما عليه من مذهب الجماعة، فإذ فعل ذلك لم يكن عليها أن تخرج إلى العلماء، وإن قصر عن علمها علم التوحيد ومباني الإسلام وعقود الإيمان ومذهب أهل السنّة فلها أن تخرج إلى السؤال عمّا لا يسعها جهله وليس لها أن تخرج بغير إذنه لطلب علم يرجى فضله، وليس للمرأة أنّ تحمل زوجها على المكاسب الحرام ولا تكلفه ما يقترف به الآثام، ولا للرجل أن يدخل في مداخل السواء ولا يبيع آخرته بدنياه، فإن صبرت معه على البرّ والتقوى أمسكها، وإن حملته على الإثم والعدوان فارقها، وإن يتفرقا يغنِ الله كلاً من سعته، ويقال: أول من يتعلق بالرجل يوم القيامة زوجته وولده، فيوقفونه بين يدي الله عزّ وجلّ فيقولون: يا ربنا خذ لنا حقّاً من هذا، فإنه ما علمنا ما نجهل، وكان يطعمنا الحرام ونحن لا نعلم، قال: فيقتصّ لهم منه، وفي خبر: أنّ العبد ليوقف للميزان وله من الحسنات أمثال الجبال، فيسأله عن رعاية عياله والقيام بهم، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، حتى تستفرغ تلك المطالبات جميع أعماله، فلا يبقى له حسنة، فينادي الملائكة: هذا الذي أكل عياله حسناته في الدنيا وارتهن اليوم بأعماله، فلهذا قال بعض السلف: إذا أراد الله بعبد شرّاً سلط عليه في الدنيا أنيابًا تنهشه، يعني العيال.
وروينا في الخبر: لا يلقى الله عبد بذنب أعظم من جهالة أهله، والخبر المشهور: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول، وروي أنّ الآبق من عياله كالعبد الآبق من سيده، لا يقبل له صلاة ولا صيام حتى يرجع إليهم، وقد قال عزّ وجلّ:(يا أَيُّها الَّذين آمَنُوا قُوا أنْفُسَكُمْ وَأَهْليكُمْ نَاراً) التحريم: ٦، فأضاف الأهل إلى النفس وأمرنا أن نقيهم النار بتعليم الأمر والنهي كما نقي أنفسنا النار باجتناب النهي، وجاء في تفسير ذلك: علّموهن وأدّبوهن، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كلكم راع ٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته، فالمرأة راعية على مال زوجها وهي مسؤولة عنه، والرجل راعٍ على أهله وهو مسؤول عنهم، ويقال: إذا أنفقت المرأة من مال زوجها بغير إذنه لم تزل في سخط الله عزّ وجلّ حتى يأذن لها، ولا يحلّ لها أن تطعم من منزله إلاّ الرطب الذي يخاف فساده، فإن