للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرابعة أنْ يتذكّر النار بحرارة الحمام ولذع مسه وغشيان ظلمته، لأن الحمام في الظلمة أشبه شيء بجهنم، الحرارة من تحتك والظلمة من فوقك، فهذا وصف جهنم نعوذ بالله منها فليتذكر بقلة صبره على الحمام وعظم كربه فيه حبسه في جهنم، وإنه لو أقام في الحمام فضل ساعة لضعف روحه حتى يخرج خفوقاً، ويكون له في الحمام موعظة وعبرة إذا عبر أولي الأبصار. ومواعظ أهل التقوى لا تنقضي، ولهم في كل شيئ عبرة وموعظة وبكل شيئ تذكرة، لأن الله عزّ وجلّ قد أحياهم حياة طيبة، وهذه علامة من كان له قلب ومن مقامه المزيد، ولا بأس أنْ يظهر ذكر الله عزّ وجلّ بالتسمية والاستغفار، ومكروه له قراءة القرآن إلاّ في نفسه سرّاً ولا يسلم على أحد فيه بلفظ السلام.

وروينا أنّ رجلاً أسلم على الحسن بن عليّ رضي الله عنهما في الحمام فقال: ليس في الحمام سلام، فإن احتاج أن يتكلم رجل فيه فلا بأس أن يأخذ بيده استئناساً للكلام أو يقول له: عافاك الله وأدام سلامتك. ومكروه له كثرة الكلام فيه وأن يتكلم رجل بما لا يعنيه، ولكن يقول: بسم الله، إذا دخله ويستعيذ بالله من الرجس الخبث الشيطان الرجيم. وإن أعطى الحمامي أجرة ليخليه له أجر على ذلك. قال بشر: ما أعنف رجلاً لا يملك إلاّ درهماً أنّ يعطيه لخلوة الحمامي.

وكان بشر يغطي ليخلي له الحمام، فكان يغلقه عليه من داخل ومن خارج، فإن وليته جاريته للإطلاء في الحمام إذا كان خاليًا ستيرًا فلا بأس، قالب بعضهم: رأيت ابن عمر رضي الله عنهما في الحمام مستقبلاً بوجهه الحائط، وقد عصب عينيه بعصابة ومدّ يده على الحائط، وقيل لإبراهيم الحربي: تصلّي خلف شارب النبيذ قال: نعم قيل: فتصلّي خلف من يدخل الحمام بلا مئزر قال: لا، ويكره دخول الحمام عند الغروب وبين العشاءين، فإن تلك الساعتين وقتت انتشار الشياطين، وليعرف بدخوله نعمة الله عزّ وجلّ وتسخيره له من شاء من خلقه بالتعب منهم والكد فيه، فهذا من لطيف أفضال الله عزّ وجلّ على المتنعمين به، ومن دخل الحمام وقام بهذه الأحكام كان دخوله أفضل لأن له فيه أعمالاً كثيرة، ودخل الأعمش فرأى عريانًا فغمض عينيه وجعل يتلمس الحيطان، فقال له العريان: متى كفّ بصرك يا هذا؟ فقال الأعمش منذ هتك سترك، وحكى الشافعي عن مالك رضي الله عنهما ثلاثة أشياء فيها، ذلة حضور المجلس بغير محيرة ولا صحيفة، وركوب السفينة بلا زاد، ودخول الحمام بغير كرنيب قال: فقلت للشافعي رضي الله عنه: لم تذكر المئزر فقال: قد أحسن ترك المئزر فسوق، وقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دخول الحمام على النساء حرام وعلى الرجال إلاّ بمئزر، وقد كان عمر رضي الله عنه يقول: الحمام من النعيم الذي أحدثوه، وفي أحد الوجوه من قوله تعالى: (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعيمِ) التكاثر: ٨، قال: الماء الحار في الشتاء ولا بأس أن يباشره رجل بالتدليك خلا موضع العورة، حدثني بعض إخواني عن بعض أهل العلم أنه دخل معه الحمام قال: فأردت أدلكه

<<  <  ج: ص:  >  >>