للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعاني استعمالهم ووجوه استحسانهم أنه في كلامهم المطوّل للبيان والمختصر للحفظ والمقدم والمؤخر للتحسين وكله فصيح بليغ، لأن وصف البلاغة عندهم رد الكثير المنثور إلى القليل المجمل وبسط القليل المجمل إلى المبثوث المفسر فالمقصر من الكلام عندهم مع الحاجة إلى المعاني المتفرقة عجز والمطول منه مع الاكتفاء بالمعنى الجامع منه عيّ، فلما خاطبهم بكلامهم أفهمهم بعقولهم ومستعملاتهم ليحسن ذلك عندهم فيكون حجة عليهم من حيث يعقلون لأنه أمرهم بما يعلمون وما يستحسنون حكمة منه ولطفاً، فذلك أيضاً على هذه المعاني يفهم الخصوص من مكانهم ومشهدهم على علوّ مقامهم في مكان ما أظهر لهم من العلم به ونصيب ما قسم لهم من العقل عنه، فهم متفاوتون في الأشهاد والفهوم حسب تفاوتهم في الأنصبة من العقول والعلوم إذ القرآن عموم وخصوص ومحكم ومتشابه وظاهر وباطن؛ فعمومه لعموم الخلق، وخصوصه لخصوصهم وظاهره لأهل الظاهر وباطنه لأهل الباطن والله واسع عليم.

فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه فإذا صفا القلب بنور اليقين وأيد العقل بالتوفيق والتمكين وتجرد الهم من التعلق بالخلق وتأله السر بالعكوف على الخالق وخلت النفس من الهوى سرت الروح فجالت في الملكوت الأعلى كشف القلب بنور اليقين الثاقب ملكوت العرش عن معاني صفات موصوف وأحكام خلاق مألوف وباطن أسماء معروف وغرائب علم رحيم رؤوف فشهد عن الكشف أوصاف ماعرف فقام حينئذ بشهادة ما عرف فكان ممن قال سبحانه: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) البقرة: ١٢١، فحق التلاوة للمؤمنين لأنه إذا أعطاه حقيقة من الإيمان أعطاه مثلها من معناه ومعدنها حقيقة من مشاهدة، فكانت تلاوته عن مشاهدة وكان مزيده عن معنى تلاوته وكان ذلك على معيار حقيقة من إيمانه كما قال: (وإذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إيماناً) الأنفال: ٢، أولئك هم المؤمنون حقّاً فيكون العبد بوصف من نعت بالحضور والإنذار وخص بالمزيد والاستبشار في قوله عزّ وجلّ: (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرينَ) الأحقاف: ٢٩ وفي قوله عزّ وجلّ: (فَزَادَتْهُمْ إيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) التوبة: ١٢٤ ويكون من نعت من مدحه بالعلم وأثنى عليه بالرجاء وصفه بالخوف في قوله تعالى: (يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذينَ لاَ يَعْلَمُونَ) الزمر: ٩، وقال عزّ وجلّ: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) السجدة: ١٦ فكان هذا من أهل الله وخاصته ومن محبيه وخالصته.

كما روينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أهل القرآن أهل الله وخاصته من خلقه وقال ابن مسعود لا على أحدكم أن يسأل عن نفسه إلا القرآن فإن كان يحب القرآن فهو يحب الله وإن لم يكن يحب القرآن فليس يحب الله وهذا كما قال لأنك إذا أحببت متكلماً أحببت كلامه وإذا كرهته كرهت مقاله، وقال أبو محمد سهل: من علامة الإيمان حب الله عزّ

<<  <  ج: ص:  >  >>