لِلْمُسْلِمِينَ فَاسْتَنْقَذُوا الْمَالَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوهُ بِدَارِهِمْ، كَانَ ذَلِكَ غَنِيمَةً لِمَنْ أَصَابَهُ. بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا.
فَعَرَفْنَا أَنَّ فِيمَا يَكُونُ مَأْخُوذًا بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ دَارُ الْإِسْلَامِ وَدَارُ الْحَرْبِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُسْلِمِينَ هَذَا النَّوْعُ مِنْ الصُّلْحِ؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ الِاسْتِئْصَالَ وَالْإِهْلَاكَ عَلَى النَّفْسِ وَالذَّرَارِيِّ فَيَجْعَلُونَ الْأَمْوَالَ فِدَاءً لِذَلِكَ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «اجْعَلْ مَالَك دُونَ نَفْسِك» . وَقَدْ هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ، حِينَ أَحَسَّ الضَّعْفَ بِبَعْضِ الْمُسْلِمِينَ، يَوْمَ الْخَنْدَقِ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ الْقُوَّةَ كَمَا قَالَهُ السَّعْدَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - امْتَنَعَ مِنْهُ فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي الْجَوَازِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى ذَرَارِيِّ الْمُسْلِمِينَ.
٢٥٣٤ - وَلَوْ أَنَّهُمْ أَسَرُوا مُسْلِمًا فَافْتُدِيَ مِنْهُمْ بِسِلَاحِهِ أَوْ بِفَرَسِهِ، وَخَلَّوْا سَبِيلَهُ ثُمَّ ظَفِرَ الْمُسْلِمُونَ بِعَيْنِ ذَلِكَ الْمَالِ، فَإِنْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ لَمْ يُحْرِزُوهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى الْأَسِيرِ، قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا مَجَّانًا، وَإِنْ كَانُوا أَحْرَزُوهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ عَلَى صَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَبَعْدَهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبَّ.
لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَصَابُوا هَذَا الْمَالَ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ، فَإِنَّ يَدَهُمْ الثَّابِتَةَ عَلَى الْأَسِيرِ تَكُونُ ثَابِتَةً عَلَى الْمَالِ الَّذِي مَعَ الْأَسِيرِ، فَيَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْمُصَابِ بِالِاسْتِيلَاءِ مَقْصُودًا، بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، فَيَدُهُمْ عَلَى الْفِدَاءِ هُنَاكَ مَا ثَبَتَتْ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِ الْمَالِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute