للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَحَدَهُمَا لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ صَاحِبِهِ كَانَ ضَامِنًا كَمَا لَوْ قَتَلَهُ، فَكَذَلِكَ بِالْغَصْبِ يَصِيرُ ضَامِنًا، وَأَمَّا فِي الْأَسِيرَيْنِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لِأَنَّ عِنْدَهُ الْأَسِيرَ كَالْمُسْتَأْمَنِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ نَفْسِهِ، إذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ، فَكَذَلِكَ فِي حُكْمِ ضَمَانِ مَالِهِ. فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ قَتَلَ أَحَدُ الْأَسِيرَيْنِ صَاحِبَهُ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ نَفْسِهِ، فَكَذَلِكَ إذَا غَصَبَ مَالَهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا لَهُ. قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَالْأَصَحُّ أَنَّ هَذَا قَوْلَهُمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مُعْتَقِدٌ حُكْمَ الْإِسْلَامِ حَيْثُمَا يَكُونُ، فَهُوَ بِهَذَا الِاعْتِقَادِ يَكُونُ مُسْتَوْجِبًا رَدَّ الْعَيْنِ، وَضَمَانَ الْقِيمَةِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رَدِّ الْعَيْنِ، خَلَفٌ عَنْ رَدِّ الْعَيْنِ فِي مَحَلٍّ مَعْصُومٍ مُتَقَوِّمٍ، وَبِالْأَسْرِ لَا يَخْرُجُ مَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا. وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ، وَإِنْ كَانَ أَسِيرًا، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ. أَلَا تَرَى أَنَّ زَوْجَتَهُ الَّتِي فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا تَبِينُ مِنْهُ، فَيَكُونُ الْإِحْرَازُ فِي مَالِهِ بَاقِيًا حُكْمًا بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، فَلِهَذَا كَانَ الْغَاصِبُ ضَامِنًا لَهُ، وَمَعَ كَوْنِهِ ضَامِنًا لَا يَتِمُّ إحْرَازُهُ.

- وَلَوْ كَانَا أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا، فَإِنْ أَسْلَمَ أَهْلُ الدَّارِ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ رَدُّ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ صَارَ مُلْتَزِمًا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ. وَمِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ رَدُّ الْمَغْصُوبِ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، عَلَى مَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ» . وَبَعْدَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْعَيْنِ لَا يَتِمُّ إحْرَازُهُ لَهُ، وَإِنْ ارْتَدَّ وَصَارَ غَالِبًا بِقُوَّةِ سُلْطَانِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا حَتَّى ظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ، فَالْغَاصِبُ فَيْءٌ لِمَنْ أَصَابَهُ.

<<  <   >  >>