لِأَنَّهُ مَا أَحْرَزَ نَفْسَهُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ مَعْصُومًا مِنْ الِاسْتِرْقَاقِ بَعْدَ مَا صَارَ حَرْبِيًّا بِالرِّدَّةِ.
- بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَدَّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ حَرْبِيَّتُهُ كَانَتْ مُتَأَكِّدَةً بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ، فَلَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَالٍ، وَلَا سَبِيلَ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى الْمَالِ، قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَا بَعْدَهَا. لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ إسْلَامِهِ لَمْ يَصِرْ مَالُهُ مُحْرَزًا بِالدَّارِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، إلَّا أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الظُّهُورُ عَلَى الدَّارِ، وَالْمَالُ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ هُوَ أَحَقَّ بِهِ لِسَبْقِ إحْرَازِهِ بِاعْتِبَارِ يَدِهِ، وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِيمَا غَصَبَهُ مِنْهُ غَيْرُهُ، مِمَّنْ صَارَ حَرْبِيًّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لَيْسَ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا، فَيَكُونُ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِينَ، لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ.
وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: مَوْضُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْغَاصِبُ حَرْبِيًّا حِينَ غَصَبَهُ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ، كَمَا وَضَعَ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى، فَلَا يَكُونُ الْجَوَابُ كَذَلِكَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: الْغَاصِبُ فَيْءٌ لِمَنْ أَصَابَهُ. وَلَمْ يَقُلْ: إنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا حِينَ يَغْصِبَهُ ثُمَّ يَرْتَدَّ لَكَانَ مُجْبَرًا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: هَذَا غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ الْكَاتِبِ أَوْ وُضِعَ فِي الْمُسْلِمِينَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ ذَهَبَ وَهْمُهُ إلَى أَنَّهُ وُضِعَ فِي حَرْبِيٍّ يَغْصِبُ مِنْ الْمُسْلِمِ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَجَابَ بِمَا قَالَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ تَتَأَكَّدُ بِنَفْسِ الْإِسْلَامِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، فَيُقْتَلُ الْغَاصِبُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، فَأَمَّا أَنْ يُجْعَلَ فَيْئًا فَلَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute