وَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَ أَحَدُهُمَا مَالَ صَاحِبِهِ فَفِي اللَّذَيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ آثِمًا فِي الِاسْتِهْلَاكِ، وَفِي الْمُسْتَأْمَنِ هُوَ ضَامِنٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْأَسِيرَيْنِ خِلَاف كَمَا بَيَّنَّا وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْإِحْرَازِ وَالتَّقَوُّمِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِالدَّارِ لَا بِالدِّينِ، فَالْعِصْمَةُ بِسَبَبِ الدِّينِ إنَّمَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ مَنْ يَعْتَقِدُ لَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ، وَتَمَامُ الْإِحْرَازِ يَكُونُ بِمَا يَظْهَرُ حِسًّا فِي حَقِّ مَنْ يَعْتَقِدُ وَفِي حَقِّ مَنْ لَا يَعْتَقِدُ، وَذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِالدَّارِ، فَلِهَذَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
٣٧٨٥ - قَالَ: وَلَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَالًا، وَلَمْ يَسْتَهْلِكْهُ حَتَّى خَرَجَا إلَيْنَا، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَى الْغَاصِبِ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ، سَوَاءٌ كَانَا مُسْتَأْمَنَيْنِ أَوْ أَسِيرَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ أَسْلَمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فِي يَدِ الْآخَرِ، وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» ؛ وَلِأَنَّ الْغَاصِبَ مِنْهُمَا إنَّمَا أَخَذَ مَالَ صَاحِبِهِ بِطَرِيقِ الْقَهْرِ، وَمَالُ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ غَنِيمَةً لِلْمُسْلِمِ، وَهُوَ نَظِيرُ أَهْلِ الْعَدْلِ مَعَ أَهْلِ الْبَغْيِ إذَا اقْتَتَلُوا، ثُمَّ أَخَذَ أَحَدُهُمَا مَالَ صَاحِبِهِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرَّدِّ بَعْدَ مَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، إذَا كَانَ الْمَالُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ، وَإِذَا كَانَ مُسْتَهْلَكًا لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَهْلِكُ ضَامِنًا لَهُ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَا، فَهَذَا مِثْلُهُ
٣٧٨٦ -، وَهُوَ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ فِيهِمْ، إذَا غَصَبَ مَالًا مِنْ حَرْبِيٍّ ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ، وَوَجَدَ مَالَهُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْمُسْلِمِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute