للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ وُجُوبَ هَذَا الْحَدِّ ابْتِدَاءً، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ، فَكَذَلِكَ اعْتِرَاضُهُ بَعْدَ وُجُوبِهِ يَمْنَعُ الْبَقَاءَ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ مَحْبُوسٌ فِي يَدِ الْإِمَامِ، ثُمَّ تَابَ فَإِنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِحَدِّ الْخَمْرِ وَالسُّكْرِ لِأَنَّهُ أَصَابَهُ وَهُوَ كَافِرٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَافِرَ يَعْتَقِدُ إبَاحَةَ الْخَمْرِ، وَالْحُدُودُ شُرِعَتْ زَوَاجِرَ عَنْ ارْتِكَابِ أَسْبَابِهَا، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُرْتَكِبُ مُعْتَقِدًا حُرْمَةَ السَّبَبِ، حَتَّى تُشْرَعَ الزَّوَاجِرُ فِي حَقِّهِ. وَهُوَ مَأْخُوذٌ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِاعْتِقَادِهِ حُرْمَةِ سَبَبِهِ وَتَمَكُّنِ الْإِمَامِ مِنْ إقَامَتِهِ لِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ. ٤٠٤٣ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ الْإِمَامِ حِينَ أَصَابَهُ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ اللَّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَذَلِكَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَصَابَهُ وَهُوَ مُحَارِبٌ.

وَهَذَا لِأَنَّهُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ يَعْتَقِدُ مُحَارَبَةَ الْمُسْلِمِينَ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، إلَّا أَنَّهُ مَا دَامَ مَحْبُوسًا عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْمُحَارَبَةُ فَلَا يُجْعَلُ حَرْبِيًّا، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْبُعْدِ مِنْ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا تَصِلُ يَدُهُ إلَيْهِ فَالْمُحَارَبَةُ تَتَهَيَّأُ لَهُ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ لِذَلِكَ، فَكَانَ مُحَارِبًا حُكْمًا كَاللَّاحِقِ بِدَارِ الْحَرْبِ.

٤٠٤٤ - فَإِنْ الْتَزَمَ قِصَاصًا أَوْ حَدَّ قَذْفٍ ثُمَّ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: أُصَالِحُكُمْ عَلَى أَنْ تُؤَمِّنُونِي عَلَى مَا أُصِيبُ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُؤَمِّنَهُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ مُخَالِفٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ» وَلِأَنَّ فِيمَا لَزِمَهُ حَقُّ الْعِبَادِ، فَالْقِصَاصُ مَحْضُ حَقِّ الْوَلِيِّ لَيْسَ لِغَيْرِهِ وِلَايَةُ الْإِسْقَاطِ فِيهِ، وَفِي حَدِّ الْقَذْفِ حَقُّ الْمَقْذُوفِ.

<<  <   >  >>