لِمَا قُلْنَا: إنَّ الثُّلُثَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ، وَصَرْفُ الصَّدَقَةِ مَحَلُّهَا الْفُقَرَاءُ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ، دَلِيلُهُ الزَّكَاةُ وَسَائِرُ الصَّدَقَاتِ. قَالَ:
٤١٥٧ - وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إذَا جَعَلَ فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ مَالَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَيُمْسِكَ مَا يَقُوتُهُ، فَإِذَا أَفَادَ مَالًا تَصَدَّقَ بِمِثْلِ مَا كَانَ أَمْسَكَ. وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ، يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِمَالِ الزَّكَاةِ مِنْ السَّوَائِمِ، وَمَالِ التِّجَارَةِ، وَلَا يَنْصَرِفُ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْ رَقِيقِهِ وَعَقَارِهِ.
فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا ذَكَرَ هَا هُنَا جَوَابَ الْقِيَاسِ، وَمَا ذَكَرَ فِي الْهِبَةِ جَوَابُ الِاسْتِحْسَانِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: اخْتِلَافُ الْجَوَابِ لِاخْتِلَافِ الْمَوْضُوعِ، فَمَوْضُوعُ مَسْأَلَةِ الْهِبَةِ أَنَّهُ قَالَ: مَالِي صَدَقَةٌ فِي الْمَسَاكِينِ، فَالصَّدَقَةُ كَانَتْ فِي لَفْظِهِ نَصًّا، وَذِكْرُ الْمَالِ عِنْدَ إيجَابِ الصَّدَقَةِ يُرَادُ بِهِ مَالُ الزَّكَاةِ وَقَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] . وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَالُ الزَّكَاةِ.
وَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ هَا هُنَا أَنَّهُ قَالَ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ ذِكْرُ الصَّدَقَةِ نَصًّا، وَلَيْسَ لِهَذَا الْإِيجَابِ أَصْلٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِيُعْتَبَرَ بِهِ، فَيُصْرَفُ إلَى كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ اخْتِلَافًا فِي الرِّوَايَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ أَضَافَ الْإِيجَابَ إلَى مَالِهِ، فَيَنْصَرِفُ إلَى كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَالِ، وَاسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَى غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ مِنْ الرَّقِيقِ وَالْعَقَارِ، قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ» . ثُمَّ انْصَرَفَ ذَلِكَ إلَى أَنْوَاعِ مَالِ الْمَيِّتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute