وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَوَصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِفُلَانٍ أَوْ لِلْمَسَاكِينٍ كَانَ لَهُ الثُّلُثُ مِنْ كُلِّ مَالٍ، فَإِذَا كَانَ اسْمُ الْمَالِ يَقَعُ عَلَيْهِ تَنَاوَلَهُ الْإِيجَابُ فَيَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَوَجْهُ رِوَايَةِ كِتَابِ الْهِبَةِ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْإِيجَابَ إيجَابُ الصَّدَقَةِ بِمَالِهِ، فَيُعْتَبَرُ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - لِلصَّدَقَةِ فِي مَالِ عِبَادِهِ، وَذَلِكَ يَنْصَرِفُ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا (انْصَرَفَ إلَى مَالِ الزَّكَاةِ) ثُمَّ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُمْسِكُ مَا يَقُوتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْسِكْ قُوتَهُ لَاحْتَاجَ إلَى السُّؤَالِ.
وَلَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلسُّؤَالِ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ يَحِلُّ لَهُ التَّنَاوُلُ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ؛ فَلَأَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ أَوْلَى. فَإِذَا أَفَادَ مَالًا مِثْلَ مَا كَانَ أَمْسَكَ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ.
لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ صَارَ مَالَ الْفُقَرَاءِ. وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ الصَّرْفَ إلَيْهِمْ، فَإِذَا أَتْلَفَهُ صَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ، فَيَجِبُ قَضَاؤُهُ. ثُمَّ الْمَشَايِخُ قَالُوا فِي قَدْرِ قُوتِهِ الَّذِي يُمْسِكُ.
٤١٥٨ - فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ زَارِعًا يُمْسِكُ قُوتَ سَنَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ يَدَهُ لَا تَصِلُ إلَى مَا يَقُوتُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ تَاجِرًا يُمْسِكُ قُوتَ شَهْرٍ؛ لِأَنَّ التَّاجِرَ يَأْكُلُ مِنْ رِبْحِهِ، وَلَا يَرْبَحُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَلَكِنْ فِي الْغَالِبِ لَا يَمْضِي شَهْرٌ إلَّا وَيَرْبَحُ، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مُعَامِلًا يُمْسِكُ قُوتَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي يَوْمٍ وَقَدْ لَا يُسْتَعْمَلُ فِي يَوْمٍ. وَلَكِنْ فِي الظَّاهِرِ لَا يَمْضِي أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إلَّا وَيُسْتَعْمَلُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute