قَالَ: فَإِنْ أَوْصَى أَنْ يُغْزَى عَنْهُ غَزْوَةً فَأَغِزُّوا رَجُلًا يُرَابِطُ عَنْهُ، وَلَا يَدْخُلُ أَرْضَ الْعَدُوِّ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الرِّبَاطَ مِنْ الْغَزْوِ فَصَارَ كَأَنَّهُ أَغْزَى رَجُلًا دَخَلَ أَرْضَ الْعَدُوِّ. فَإِنْ قَالَتْ الْوَرَثَةُ: يُرَابِطُ يَوْمًا وَاحِدًا، وَقَالَ الْوَصِيُّ: يُرَابِطُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجِيزُ مِنْ ذَلِكَ أَدْنَى الرِّبَاطِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ أَقَلُّ الرِّبَاطِ؛ لِأَنَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ رُجُوعِهِ مَعَ الْغَازِي يُصْرَفُ لِلْوَرَثَةِ إرْثًا بَيْنَهُمْ، فَلَا يُقْطَعُ حَقُّهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَأَدْنَى الرِّبَاطِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي الشَّرِيعَةِ، كَمَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ وَمُدَّةِ الْخِيَارِ.
وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُسَمَّى مُرَابِطًا بِرِبَاطِ سَاعَةٍ أَوْ سَاعَتَيْنِ، وَيُسَمَّى مُرَابِطًا إذَا رَابَطَ أَيَّامًا، فَيَجِبُ أَنْ يُرَابِطَ عَنْ الْمَيِّتِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَيَّامِ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، فَيَجِبُ رِبَاطُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، (لِهَذَا الْمَعْنَى) ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي الرِّبَاطِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ رَابَطَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ كَصِيَامِ الْعُمُرِ وَقِيَامِهِ» .
أَوْ قَالَ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ، «وَمَنْ رَابَطَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا، وَمَنْ رَابَطَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كَانَ لَهُ كَذَا» ، فَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَارِثُ وَالْوَصِيُّ يُؤْخَذُ بِأَوْسَطِ الْأَعْدَادِ، وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْأَكْثَرِ، وَأَكْثَرُ مِنْ الْأَقَلِّ، فَيُقْضَى بِهِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute