للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: الْحَبْسُ بَاطِلٌ فِي الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ إلَّا الْغَلَّةَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، نَحْوَ إنْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَتُعْطَى الْغَلَّةُ لِلْفُقَرَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

أَمَّا مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ يُجِيزُ الْوَقْفَ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُرْبَةِ. وَكَذَلِكَ الْحَبْسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَائِزٌ. لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ مَوْجُودٌ فِيهِ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا سَبَّلَتْ مُصْحَفًا لَهَا.

وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ أَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ بَاطِلٌ فَكَذَلِكَ حَبْسُ الْمَنْقُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاطِلٌ، وَكَانَ يَقُولُ: الْقِيَاسُ أَلَّا يَجُوزَ وَقْفُ الْأَرَاضِي لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْطِيلِ الْمِلْكِ وَلَا تَمْلِيكَ مِنْ أَحَدٍ، إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ عَطَّلَ مِلْكَنَا عَنْ الْمَسَاجِدِ لِقُرْبَةٍ تَعَلَّقَتْ بِهَا، عَائِدٍ نَفْعُهَا إلَيْنَا مِنْ حَيْثُ الثَّوَابُ، فَجَوَّزْنَا فِي مِثْلِهِ فِي وَقْفِ الْأَرَاضِي؛ لِأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْمَسَاجِدِ، فَإِنَّهَا تَبْقَى وَعَائِدُ نَفْعِهَا، كَالْمَسَاجِدِ، فَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْمَنْقُولَةُ مَا وَجَدْنَا فِيهَا قُرْبَةً أَوْجَبَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - إلَّا قُرْبَةً تَقَعُ بِتَمْلِيكِ الْفَقِيرِ، فَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ إيجَابُ الْقُرْبَةِ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ إذْ إيجَابُ الْعَبْدِ (مِنْ الْقُرَبِ) مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ - تَعَالَى -.

فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ الْوَقْفَ وَالْحَبْسَ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ، فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُ إذَا أَوْصَى بَعْدَ مَوْتِهِ إلَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، وَالْوَصِيَّةُ بِالْغَلَّةِ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُصْرَفَ غَلَّةُ بُسْتَانِهِ عَلَى

<<  <   >  >>