الْفَقِيرِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، لِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنْ التَّمْلِيكِ، فَكَذَلِكَ حَبْسُ الْأَرَاضِي وَالْعَبْدِ وَالدَّارِ لِتَكُونَ غَلَّتُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ يُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْحَاجَةِ مِمَّنْ يَغْزُو، فَتَصِيرُ مِلْكًا لِمَنْ يَأْخُذُهَا، يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ.
فَأَمَّا مَا لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى تَمْلِيكِ الشَّيْءِ وَلَكِنْ فِيهِ انْتِفَاعٌ بِالْعَيْنِ، نَحْوَ سُكْنَى الدَّارِ وَرُكُوبِ الْفَرَسِ وَقِرَاءَةِ الْمُصْحَفِ وَلُبْسِ السِّلَاحِ وَخِدْمَةِ الْعَبِيدِ، لَا أَصْلَ فِي جَوَازِهِ فِي الشَّرْعِ إذَا وَقَعَ؛ لِأَقْوَامٍ مَجْهُولِينَ، فَإِنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِخِدْمَةِ عَبِيدِهِ لِقَوْمٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانُوا مَعْلُومِينَ جَازَ، وَهَا هُنَا وَقَعَ الْحَبْسُ؛ لِأَقْوَامٍ مَجْهُولِينَ فَلَا يَجُوزُ، وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَمْلِيكُ الْعَيْنِ لَمْ يَكُنْ صَدَقَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، فَلَا يَجُوزُ إذَا وَقَعَ لِقَوْمٍ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمْ. وَمَنْ أَخَذَ الْفَرَسَ الْحَبِيسَ لِيَرْكَبَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَالنَّفَقَةُ عَلَى مَنْ يَحْصُلُ لَهُ الْمَنْفَعَةُ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْعَبْدَ الْمُوصِي بِخِدْمَتِهِ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ مَا دَامَ يَخْدُمُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ، وَلَوْ اسْتَعَارَ فَرَسَهُ مِنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، فَكَذَلِكَ الْغَازِي نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute