للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ: وَإِذَا أَوْصَى بِعَبْدٍ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، يُدَاوِي الْجَرْحَى وَكَانَ طَبِيبًا، أَوْ يَسْقِي الْمَاءَ لِلْغُزَاةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ يُؤَاجَرُ فَيَصْرِفُ غَلَّتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَهَذَا كُلُّهُ جَائِزٌ.

عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا قُلْنَا إنَّ هَذَا مِنْ الْقُرَبِ. فَأَمَّا الْغَلَّةُ فَيُعْطَاهَا الْغُزَاةُ؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ صَدَقَةُ تَمْلِيكٍ، وَمَحَلُّ الصَّدَقَةِ الْفَقِيرُ دُونَ الْغَنِيِّ. وَأَمَّا الْمَاءُ فَيَسْقِي الْغُزَاةَ، مَنْ اسْتَسْقَاهُ مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَكَذَلِكَ يَخْدُمُ الْغُزَاةَ، مَنْ اسْتَخْدَمَهُ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِصَدَقَةِ تَمْلِيكٍ بَلْ هِيَ إبَاحَةُ انْتِفَاعٍ، وَمَا كَانَ طَرِيقُهُ الْإِبَاحَةَ يَسْتَوِي فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، كَالْمَاءِ الْمَوْضُوعِ عَلَى الطَّرِيقِ، فَإِنَّهُ يُبَاحُ شُرْبُهُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ جَمِيعًا. وَكَذَلِكَ الْغَنِيُّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِيَ الْمَاءَ مِنْ نَهْرِ الْغَيْرِ، وَمِنْ حَوْضِ الْغَيْرِ، كَالْفَقِيرِ سَوَاءٌ، وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَقَعُ لَهُ الْكِفَايَةُ بِدُونِ ذَلِكَ، بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ عَبْدًا فَيَخْدُمَهُ، وَالْفَقِيرُ لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ، فَكَانَ الْمُحْتَاجُ أَوْلَى بِالْخِدْمَةِ لَهُ.

٤١٧٩ - وَإِنْ جَعَلَ الْمَيِّتُ الْكُرَاعَ أَوْ السِّلَاحَ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا وَصَفْت لَك حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ - تَعَالَى - فِي حَيَاتِهِ وَصِحَّتِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَإِذَا مَاتَ كَانَ مِيرَاثًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

لِأَنَّ الْوَقْفَ عِنْدَهُ بَاطِلٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مُوصًى بِهِ، وَالْمُوصَى بِهِ هُوَ الْغَلَّةُ، وَقَدْ عُدِمَ هَا هُنَا فَبَطَلَ. وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُجِيزُ وَقْفَ الْمَنْقُولِ إلَّا فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ، وَالْحَبِيسُ هُنَاكَ كُرَاعٌ وَسِلَاحٌ فَجَازَ عِنْدَهُمَا، إلَّا أَنَّ

<<  <   >  >>