للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّهُ لَمَّا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقَيِّمُ فِي ذَلِكَ فَلَمْ يُوجَدْ الْإِخْرَاجُ مِنْ يَدِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحَبْسِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هُوَ الْإِخْرَاجُ مِنْ يَدِهِ وَالتَّسْلِيمُ إلَى غَيْرِهِ.

٤١٨٣ - وَإِنْ دَفَعَ ذَلِكَ إلَى قَيِّمٍ يَقُومُ بِهِ وَاشْتَرَطَ أَنَّهُ إنْ مَاتَ قَبْلَ الَّذِي حَبَسَ ذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ إلَى الَّذِي حَبَسَ ذَلِكَ، يَجْعَلُ فِيهِ مَنْ أَحَبَّ جَازَ مَا اشْتَرَطَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْرَجَ عَنْ يَدِهِ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَيُرَاعَى شَرْطُهُ، كَمَا لَوْ شَرَطَ شَرْطًا آخَرَ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَاقِفِ تُرَاعَى.

ثُمَّ هَذَا الشَّرْطُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْرَجَهُ مِنْ يَدِهِ فَقَدْ تَمَّ الْوَقْفُ وَالْحَبْسُ، فَصَارَ هُوَ كَوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ، فَكَانَ الْعَوْدُ إلَى يَدِهِ كَالْعَوْدِ إلَى يَدِ غَيْرِهِ لَا يُبْطِلُ الْحَبْسَ، فَالْعَوْدُ إلَى يَدِهِ مِثْلُهُ.

وَكَذَلِكَ إذَا شَرَطَ قَيِّمًا بَعْدَ قَيِّمٍ فَذَلِكَ إلَيْهِ، وَلَيْسَ لِلْقَيِّمِ الْأَوَّلِ أَنْ يَجْعَلَهَا إلَى غَيْرِ مَا شَرَطَ الَّذِي حَبَسَهَا؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ كَمَا رُوعِيَ فِي حَقِّ الْقَيِّمِ الْأَوَّلِ فَكَذَلِكَ يُرَاعَى فِي حَقِّ الْقَيِّمِ الثَّانِي، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ وُقُوفِ السَّلَفِ هَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ جَائِزٌ فِي وِلَايَةِ السَّلْطَنَةِ وَالْإِمَارَةِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قُتِلَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، فَإِنْ قُتِلَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ، وَكَانَ كَمَا قَالَ.

وَحُكِيَ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ ابْنَ عَمِّهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ إخْوَتُهُ؛ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَمَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَقَالَ سُلَيْمَانُ:

<<  <   >  >>