للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَاذَا تَأْخُذُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّا يَمُرُّونَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ الْخَمْرِ؟ فَقَالُوا نِصْفَ الْعُشْرِ. ٤٥٥٥ - فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا نِصْفَ الْعُشْرِ مِنْ أَثْمَانِهَا.

وَلِأَنَّ الْخَمْرَ أَقْرَبُ إلَى الْمَالِيَّةِ مِنْ الْخِنْزِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَالًا لَنَا فِي الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ عَصِيرًا، وَيَصِيرُ مَالًا فِي الِانْتِهَاءِ بِأَنْ يَصِيرَ خَلًّا. وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلَمْ يَكُنْ مَالًا لَنَا فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَا يَصِيرُ مَالًا فِي الِانْتِهَاءِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حُرْمَةُ الْخَمْرِ أَخَفَّ، فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ الْعُشْرُ مِنْ الْخَمْرِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ الْخِنْزِيرِ. وَلِأَنَّ الْعَاشِرَ إنَّمَا يَأْخُذُ قِيمَةَ الْخَمْرِ، وَالْمُسْلِمُونَ يَعْرِفُونَ قِيمَةَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُمْسِكُهَا؛ الصَّالِحُ مِنْهُمْ وَالطَّالِحُ، فَأَمَّا الصَّالِحُ فَيُمْسِكُهَا لِلتَّخْلِيلِ، وَأَمَّا الطَّالِحُ لِلشُّرْبِ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ قِيمَتَهَا فَيُؤْخَذُ عُشْرُ قِيمَتِهَا لِقَوْلِ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَّا الْخِنْزِيرُ لَا يُمْسِكُهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ قِيمَتَهَا، وَإِنَّمَا يَعْرِفُ الْكُفَّارُ، وَقَوْلُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، فَلَا يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمْ، وَلِأَنَّ الْخَمْرَ مِثْلِيٌّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِثْلُهُ إلَّا أَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ الْخَمْرِ، فَإِذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ الْخَمْرِ، فَيَجُوزُ.

وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، فَمِثْلُهُ قِيمَتُهُ، فَإِذَا أَخَذَ الْقِيمَةَ صَارَ كَأَنَّهُ أَخَذَ الْعَيْنَ، وَالْمُسْلِمُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْخِنْزِيرَ وَلَا بَدَلَهُ؛ وَلِأَنَّ الْخَمْرَ مَالٌ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَلِلْإِمَامِ فِيهَا حِمَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ لِلْمُسْلِمِ عَلَيْهَا يَدًا مُعْتَبَرَةً، فَصَارَتْ فِي يَدِ الْإِمَامِ وَحِمَايَتِهِ، فَأَشْبَهَتْ سَائِرَ الْأَمْوَالِ، فَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلَيْسَ لِلْإِمَامِ فِيهِ حِمَايَةٌ مُعْتَبَرَةٌ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَثْبُتُ لَهُ يَدٌ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى الْخِنْزِيرِ

<<  <   >  >>