وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ السِّلَاحُ وَالْكُرَاعُ وَالسُّرُوجُ فِي ذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَا يُسْتَمْتَعُ بِهَا فِي الْبُيُوتِ، وَإِنَّمَا يُسْتَمْتَعُ بِهَا عِنْدَ الرُّكُوبِ أَوْ الْحَرْبِ. وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ السُّكْنَى فِي الْبُيُوتِ فِي شَيْءٍ، فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الْمَتَاعِ، كَمَا لَا يَتَنَاوَلُ النُّقُودَ وَالْمَصَاغَ وَالْجَوَاهِرَ.
٤٦٢ - وَإِنْ كَانُوا قَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى مَا لَنَا مِنْ شَيْءٍ، دَخَلَ جَمِيعُ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّيْءِ يَعُمُّ كُلَّ مَوْجُودٍ. وَلَوْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى مَا لَنَا أَوْ عَلَى جَمِيعِ مَا لَنَا مِنْ مَالٍ، دَخَلَ ذَلِكَ كُلُّهُ أَيْضًا. لِأَنَّ اسْمَ الْمَالِ يَعُمُّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُتَمَوَّلٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِرَجُلٍ دَخَلَ جَمِيعُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ فِي الْأَمَانِ. وَإِنَّمَا يَخْتَصُّ فِي النَّذْرِ بِالصَّدَقَةِ لَفْظُ الْمَالِ بِمَالِ الزَّكَاةِ لِنَوْعٍ مِنْ الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ مَا يُوجِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْأَمَانِ، بَلْ هَذَا نَظِيرُ الْوَصِيَّةِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ، وَالْإِرْثُ يَثْبُتْ فِي كُلِّ مَالٍ فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّةُ. وَهَا هُنَا إعْطَاءُ الْأَمَانِ عَلَى الْمَالِ نَظِيرُ اغْتِنَامِ الْمَالِ، فَكَمَا أَنَّ الِاغْتِنَامَ يَثْبُتُ فِي كُلِّ مَالٍ فَكَذَلِكَ حُكْمُ الْأَمَانِ عِنْدَ إعْطَائِهِ بِلَفْظِ الْمَالِ.
٤٦٣ - وَإِنْ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ: أَمِّنُوا أَهْلِينَا فَقَالُوا: نَعَمْ قَدْ أَمَّنَّاهُمْ، فَهُمْ فَيْءٌ، وَأَهْلُوهُمْ آمِنُونَ. لِأَنَّهُمْ طَلَبُوا الْأَمَانَ لَأَهْلِيهِمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا (٨٤ آ) أَنْفُسَهُمْ بِشَيْءٍ صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً وَلَا دَلَالَةً. فَالْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا أَهْلُهُ غَيْرُهُ. لِأَنَّ الْمُضَافَ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ قَصَدُوا بِهَذَا أَمَانَ أَنْفُسِهِمْ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ طَلَبُوا الْأَمَانَ إشْفَاقًا عَلَى أَهْلِيهِمْ، وَشَفَقَتُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَظْهَرُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِيهِمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute