للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّسُولَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَكُونُ آمِنًا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْمَانٍ لِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى؟ وَلِأَنَّ الرَّسُولَ إنَّمَا أَتَاهُمْ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ يَكُونُ سَاعِيًا فِيمَا تَرْجِعُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُ مُفَارِقًا لَهُمْ حُكْمًا، وَالْمُسْتَأْمَنُ مَا أَتَاهُمْ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ بَلْ لِمَنْفَعَةٍ لَهُ خَاصَّةً، فَيَصِيرُ بِهِ مُفَارِقًا لِلْعَسْكَرِ حُكْمًا. الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مِنْ غَنَائِمِ بَدْرٍ. وَقَدْ كَانَ وَجَّهَهُ إلَى نَاحِيَةِ الشَّامِ لِمَنْفَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْقِتَالِ» . وَرُوِيَ «أَنَّهُ بَعَثَ مُحَيِّصَةَ الْأَنْصَارِيَّ إلَى أَهْلِ فَدَكَ، وَهُوَ مُحَاصِرٌ خَيْبَرَ، فَفَتَحَهَا وَهُوَ غَائِبٌ، ثُمَّ جَاءَ فَضُرِبَ لَهُ سَهْمٌ» . فَعَرَفْنَا أَنَّ مَنْ كَانَ سَعْيُهُ فِي تَوْفِيرِ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَأَنَّهُ مَعَهُمْ.

١٨٠٥ - وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ دَخَلَا يُرِيدَانِ الْقِتَالَ فَقَاتَلَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يُصِيبُوا شَيْئًا حَتَّى اسْتَأْمَنَا إلَى الْمُشْرِكِينَ، ثُمَّ رَجَعَا إلَى الْعَسْكَرِ، بِآخَرَيْنِ لَا يُرِيدَانِ قِتَالًا، فَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ غَنَائِمَ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا شَيْءٌ. لِأَنَّهُمَا حِينَ اسْتَأْمَنَا إلَى أَهْلِ الْحَرْبِ فَقَدْ تَرَكَا الْمُحَارَبَةَ مَعَهُمْ، وَيَكُونُ حَالُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ كَحَالِ مَنْ كَانَ تَاجِرًا فِيهِمْ بِأَمَانٍ وَالْتَحَقَ بِالْعَسْكَرِ عَلَى قَصْدِ

<<  <   >  >>