قوله:«شاد»، أي مغنّ، يشيد: يتقن غناءه ويحكمه. تميد: تميل. صدح: رفع صوته بالغناء، والصداح: الصوت الشديد، يقول: وأحضر الخمر مغنيا تميل الجبال لحسن غنائه، وهذا مثل ما حكى المنجّم، قال: حكي لي أنّ إبراهيم بن المهدي، كان أحسن الناس غناء ببرهان، وذلك أنّي كنت أراه في مجالس الخلفاء مثل المأمون والمعتصم يغنّي المغنون، فإذا ابتدأ هو لم يبق أحد من الغلمان والمتصرفين وأصحاب الصّناعات والمهن الصّغار والكبار، إلا وقد ترك ما في يده، وصار بأقرب موضع يمكنه أن يسمعه، فلا يزال مصغيا إليه، لاهيا عمّا كان فيه ما دام يغنّي، فإذا أمسك وغنّى غيره رجعوا إلى أشغالهم، ولا برهان أقوى من شهادة الفطرة، واتفاق الطبائع على الميل إليه مع اختلافها في غير ذلك.
وقال منصور بن المهدي: غنّى أخي إبراهيم الأمين يوما فقال: [المتقارب]
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
لكي يعلم النّاس أني امرؤ ... أتيت الفتوة من بابها
وكان الأمين مشرفا على حمر الوحش، وهو مخمور، وكان من عادته ألّا يشرب وهو مخمور، فاستوى جالسا وطرب، وقال: أحسنت والله يا عمّ، وأحييت لي طربا، وغنّى يومئذ على أشدّ طبقة ينتهي إليها، وما سمعت مثله قطّ وقد رأيت منه شيئا عجيبا، لو حدّثت به ما صدقته، كان إذا ابتدأ يغنّي أصغت الوحش، ومدّت أعناقها، ولم تزل تدنو منه، حتى تضع رءوسها على الدّكان الذي كنا عليه، فإذا سكت نفر عنّا، حتى تنتهي إلى أبعد غاية يمكنها التباعد فيها عنّا، وجعل الأمين يعجب من ذلك.
قوله:«يبيح»، أي يجعله له مباحا، يقول: أعص من يعذلك في وصل المليح متى سمح بوصله.
وكان أعرابيّ قد طال تعشقه لجارية، فقيل له: ما كنت صانعا لو ظفرت به، ولا يراكما غير الله؟ قال: إذا والله لا أجعله أهون الناظرين، لكني كنت أفعل بها ما كنت أفعله بحضرة أهلها، شكوى وحديث عذب، وإعراض عمّا يسخط الرّبّ، ويقطع الحبّ، فإن تلقّي وصال المليح، إذا سمح بمثل هذا فعصيان النصيح واجب، وأكثر الناس يرى أن الظفر بالمعشوق يسقط نصف عشقه، وأن النكاح يفسد الحب: