اللهم إنا نحمدك على ما علّمت من البيان، وألهمت من التّبيان، كما نحمدك على ما أسبغت من العطاء، وأسبلت من الغطاء.
***
اللهم إنا نحمدك؛ اللهم اسم خصصته الميم المشددة في آخره بنداء البارئ سبحانه، والتزم معها حذف حرف النداء لوقوع الميم خلفا عنه، ولمحلّ اللام في أوله، أنه لا يلي حرف النداء لام التعريف إلا في قولهم:«يا الله»؛ لتكون اللام الزائدة نائبة عن حرف أصليّ، وهي همزة «إله»، فصارت كالأصليّ، وفي غير هذا الاسم تتجرد اللام للزيادة في أول الامس. و «يا»«زائدة» في أوله كذلك، وهما جميعا لتخصيص الاسم وإزالة شياع التنكير عنه، فلمّا تقاربا في المعنى، وتشابها في الزيادة، وطلب كل واحد منهما أن يلي الاسم دون صاحبه، ترك استعمال الجمع بينهما في أول الاسم إلا في ضرورة الشاعر لإقامة الوزن، وأما اللام في قولهم:«يا الله» فلما كانت نائبة عن حرف أصلي خفيت زيادتها، فلما زادوا الميم في آخره فضحت اللام وشهرت معنى الزيادة، فامتنعت «يا» من أوله إلا عند الضرورة كامتناعها في الرجل والغلام؛ فلما كانت الميم هي الموجبة لمنع «يا» حمّل الاسم معها معنى «يا» فصار مختصا بالنداء ممتنعا من غيره.
ونحمدك، معناه نثني عليك بأتم وجوه الثناء كلها، فيدخل تحته الشكر، والشكر ثناء يقابل به معروف، وفي الحديث:«الحمد رأس الشكر فمن لم يحمد الله لم يشكره»(١) والحمد ذكر الرجل بما فيه من صفات جليلة، والشكر ذكره بما له من أفعال جزيلة، من قولهم: دابة شكور، إذا ظهر بها منالسمن فوق ما تأكل من العلف ويقال:
أشكر من بروقة، وهي شجرة معروفة تخصب بأدنى مطر؛ ويؤكد الفرق بينهما أن الحمد في مقابلة الذم والشكر في مقابلة الكفر فاختلاف نقيضيهما دليل على اختلافهما في أنفسهما.