للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضلّت ناقة لأعرابيّ في ليلة مظلمة، فأكثر في طلبها، فلم يجدها، فلما طلع القمر وانبسط نوره وجدها إلى جانبه ببعض الأودية، وقد كان اجتاز بموضعها مرارا فلم يرها لشدّة الظلام، فرفع رأسه إلى القمر، وقال: [البسيط]

ماذا أقول وقولي فيك ذو خطر ... وقد كفيتني التّفصيل والجملا

إن قلت لا زلت مرفوعا فأنت كذا ... أو قلت زانك ربّي، فهو قد فعلا

ومما قيل في ذمّه: عربد بعض المجّان على القمر، فقال: والله إنك لتفتّت الكتّان، وتغير الألوان، وتصفّر الأسنان، وتخثّر الأبدان، وتسدّد الآذان، وتفضح السّكران، وتظهر الكتمان وتقلق الصبيان، وتبيض الأرجوان، وتلحس الزعفران، وتهزل الحيتان، وتمحق الأدمغة بالنقصان.

وقال ابن المعتز يذمه: [الكامل]

يا سارق الأنوار من شمس الضّحى ... يا مثكلي طيب الكرى ومنغصي

أمّا ضياء الشمس فيك فناقص ... وأرى حرارة نارها لم تنقص

لم يظفر التّشبيه فيك بطائل ... متسلخ لونا كلون الأبرص

قوله: الحجرين، أي الذهب والفضة. وقيل الحجر الأسود ومقام إبراهيم عليه السلام.

نادم: صاحب، والنّديم الصاحب على الخمر. المكافآت: المجازاة. المآل: المرجع. ذات اللهب: صاحبة النار، يعني جهنّم. يقتحم: يترامى فيها، وهذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لأخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها، كما تقتحم الفراش والجنادب» (١).

الخزن: الجمع. البدع: الحدث لم يكن ثم كان، وقد ابتدعت الشيء: أحدثته، وسقت الناس إلى فعله. وخط: اختلط، وقد وخط الشيب الشّعر، إذا خالطه وفشا فيه.

وتؤذن: تعلم. شمسك بالمغيب: نفسك بالذهاب. تنيب: ترجع وتتوب. تهذب:

تخلّصه من العيب. والمعيب: الكثير العيب. يرشد: يهدي ويدلّ الطريق.

[[الدنيا ومما قيل فيها]]

ونذكر هنا شيئا مما قيل في الدّنيا موافقة للحريريّ، ثم نعود إلى ذكر الشيب:

ومن خطبة قطريّ بن الفجاءة في ذم الدنيا:

ألستم في مساكن من كان أطول منكم أعمارا، وأعدّ عديدا، وأوضح آثارا، وأكثر جنودا، وأعدّ عتادا، وأطول عمادا؛ تعبّدوا للدّنيا أيّ تعبّد، وآثروها أيّ إيثار، وظعنوا


(١) روي بطرق وأسانيد متعددة، أخرجه البخاري في الرقاق باب ٢٦، ومسلم في الفضائل حديث ١٧، ١٨، والترمذي في الأدب باب ٨٢، وأحمد في المسند ١/ ٣٩٠، ٤٢٤، ٢/ ٢٤٤، ٣١٢، ٥٤٠، ٣/ ٣٦١، ٣٩٢، ٥/ ٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>