[[مما قيل في الوشاة]]
ومما جاء في الواشي، ما حكي أن رجلا وشى برجل إلى بلال بن أبي بردة، فقال للساعي: انصرف، حتى أكشف عمّا ذكرت، فلمّا كشف عن الساعي، إذا هو لغير رشدة، قال: نبأنا أبو عمرو- وما كذبت ولا كذّبت- حدّثني أبي عن جدّي، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «الساعي لغير رشدة».
وذكر السعاة عند المأمون، فقال: لو لم يكن من غيّهم إلا أنهم أصدق ما يكونون أبغض ما يكونون عند الله.
وقال ذو الرئاستين: قبول النميمة شرّ من النميمة، لأن النميمة دلالة، والقبول إجازة، وليس من دلّ على شيء كمن قبله وأجازه، وقد جعل الله السامع شريك القاتل، فقال: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ [المائدة: ٤١].
وقال الشاعر: [الطويل]
لعمرك ما سبّ الأمير عدوّه ... ولكنّما سبّ الأمير المبلّغ
ووشى واش بعبد الله بن همام السّلولي إلى زياد، فقال له: إنه هجاك، فقال: أجمع بينكما، قال: نعم؛ فبعث إلى ابن همام، وأدخل الرجل بيتا، فقال زياد: يا بن همام، بلغني أنك هجوتني، فقال: كلّا، أصلحك الله ما فعلت، ولا أنت لذلك بأهل، فأخرج الرجل، وقال: إن هذا أخبرني، فأطرق ابن همام هنيهة، ثم أقبل على الرجل فقال: [الطويل]
وأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليا ... فخنت، وإمّا قلت قولا بلا علم
فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
فأعجب زياد بجوابه، وأقصى الواشي ولم يقبل منه.
قال الشاعر: [الكامل]
لا تقبلنّ نميمة من قائل ... وتحفظنّ من الّذي أنباكها
إن الذي أنباك عنه نميمة ... سيدبّ عنك نميمة قد حاكها
عليّ بن أبي طالب: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم «إن موسى قال: يا ربّ إني حيث ذهبت لا أنصر ولا أخذل، فأوحى الله إليه: إن في عسكرك غمّازا، قال: يا رب دلّني عليه، قال:
يا موسى، أبغض الغماز، فكيف أغمز! ».
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن أبغضكم إليّ المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبّة، والملتمسون بين البراءة العيب» (١).
(١) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٢٢٧، ٦/ ٤٥٩.