للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فزحزحت شفقا غشّى سنا قمر ... وساقطت لؤلؤا من خاتم عطر

***

قوله: «لمح البصر»، يعني نظر العين إلى الشيء بسرعة ثم تغيب عنه بسرعة، وأصل البصر الإدراك بالعين. أغرب: أتى بغريب. نضو: كشف. القاني: الأحمر. إيداع سمعي: إعطاء أذني، كأنه جعله وديعة عنده. زحزحت: أزالت. الشفق: حمرة الشمس بعد الغروب. غشّى: غطّى. سنا: ضوء. عطر: فوّاح طيّب التنفس. وبيت الحريريّ في صنعة البديع فائق، وإن لم يأت بعدد تشبيهات بيت أبي الفرج، وبيانه أن أبا الفرج يصف امرأة باكية، فيقول: إنها نثرت دموعها على من قتلت من عشاقها، فسقطت على خدّها فبلّلته، وعضّت على أصابعها المصبوغة بالحنّاء بأسنانها، فجعل البيت كلّه استعارة، فقال: «فأمطرت لؤلؤا»، وهو يريد: بكت دمعا، وذكر نرجسا ووردا، وهو يريد عينا وخدّا، وذكر عنّابا وبردا، وهو يريد أنامل وأسنانا، فضمّن تحت ألفاظه هذه المعاني، وزاد فائدة التشبيه؛ وهذا يفعله أهل القدرة على الشعر، فقابل الحريريّ هذا بقوله:

«فزحزحت شفقا»، وهو يرى نقابا أحمر، وذكر «سنا قمر» وهو يريد ضوء وجهها، وذكر لؤلؤا من خاتم، وهو يريد كلاما من فم. والبيت الثاني في مقابلة بيت أبي الفرج، والأول توطئة له، وهو يصف امرأة زارته متنقّبة فسألها، أن تكشف عن وجهها وتحدّثه، فأزالت نقابها، وأسمعته كلاما حسنا من فم عطر.

[[ما قيل في اللؤلؤ]]

واللؤلؤ تشبّه به الأسنان في مثل قوله: [السريع]

* كأنما يبسم عن لؤلؤ (١) *

وقوله: [البسيط]

* يفتر عن لؤلؤ رطب وعن برد*

ويشبّه به الكلام في مثل قول البحتريّ: [الكامل]

* ومن لؤلؤ عند الحديث تساقطه (٢) *


(١) عجزه:
منضّد أو برد أو أقاخ
والبيت بلا نسبة في تاج العروس (ظلم).
(٢) صدره:
فمن لؤلؤ تجلوه عند ابتسامها
والبيت في ديوان البحتري ص ١٢٣٠، وتاج العروس (سقط)، وكتاب الصناعتين ص ٢٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>