وخرجت، فما شعرت إلا برسل أم سلمة، ومعهم عشرة آلاف درهم، وتخت وبرذون وغلام، فقبضتها.
وفي هذا الحديث المليح تعلّق بما ذكر الحريريّ من مدح النّساء وذمهنّ، وخالد بن صفوان لفصاحته أقدر الناس على مدح الشّيء وذمه، وقد تقدّم في الثالثة هذا الفنّ.
وقال أبو العباس السفاح لخالد وعنده أخواله الحارثيّون: كيف علمك بأخوالي يا خالد؟ قال: يا أمير المؤمنين، هم هامة الشّرف وعرنين الكرم، وغرس الجود، وفيهم خصال ليست لغيرهم، إنّهم لأصونهم أمّا، وأحسنهم أمما، وأكرمهم شيما، وأطيبهم طعما، وأوفاهم ذمما، وأبعدهم همما، الجمرة في الحرب، والوقد عند الجدب، وهم الرأس في كل خطب، وغيرهم بمنزلة العجب. فقال: لقد وصفت يا بن صفوان فأحسنت، فزاد أخواله في الفخر، فغضب أبو العباس لأعمامه فقال: افخر يا خالد، فقال: أعلى أخوال أمير المؤمنين؟ قال: فأين أنت من أعمامه! قال: كيف أفاخر قوما هم بين ناسج برد وسائس قرد، ودابغ جلد، دلّ عليهم هدهد، وغرّقتهم فأرة، وملكتهم امرأة! .
ودخل خالد على أبي الجهم العدويّ وهو يريد ركوب حمار، فقال خالد: أما علمت أنّ العير عار، وأنّ الحمار شنار، منكر الصوت، قبيح الفوت، مترنّح في المحل، مرتطم في الوحل، ليس بركوبة فحل، ولا مطية رحل، راكبه مقرف، ومسايره مشرف.
فاستوحش العدويّ من ركوبه، فركب فرسا وركب خالد الحمار، فقال: ويحك يا خالد! أتنهى عن شيء وتأتي مثله! قال: أصلحك الله عير من بنات الكداد، أسحم السربال، مدمج الأوصال، محملج القوائم، يحمل الرّحلة، ويبلغ العقبة، ويمنعني من أن أكون جبّارا عنيدا، أو ملكا شديدا، فقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين! ذلك لك، وهذا لي.
فتبسم العدويّ.
[[مما قيل في وصف النساء]]
ثم نرجع إلى جملة مقاطيع من أوصاف النساء تتبين بها أوصافهنّ، قال العديل بن الفرخ: [الكامل]
لعب النّسيم بهنّ في أظلاله ... حتّى لبسن زمان عيش غافل
يأخذن زينتهنّ أحسن ما يرى ... وإذا عطّلن فهنّ غير عواطل
وإذا أرين خدودهن أرينها ... حدق المهى وأخذن سهم القاتل
ورمينني لا يستترن بجنّة ... إلّا الصّبا وعرفن أين مقاتلي
وقال العباس بن طرخان: [الطويل]
تقسّمن قلبا كان مجتمع الشّمل ... وفرقنه بين المسالك والسّبل