للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم أدر قبل ترنجان عبثت به ... أنّ الزّمرّد قضبان وأوراق

من طيبه سرق الأترج نكهته ... يا قوم حتّى من الأشجار سرّاق!

كأنما الحاجب المنصور علّمه ... فعل الجميل فطابت منه أخلاق

من ليس يقعده عن سؤدد كرم ... ولا يقول له في سوأة ساق

وله أيضا: [الوافر]

بعثت إليك من خيري داري ... محزمة كألوان العقيق

توكّل بالعكوف على التّصابي ... وتصطاد الخليع من الطريق

***

فحار الحاضرون لبداهته، واعترفوا بنزاهته. فلمّا آنس استئناسهم بكلامه، وانصبابهم إلى شعب إكرامه، أطرق كطرفة العين، ثم قال: ودونكم بيتين آخرين، وأنشد: [البسيط]

وأقبلت يوم جدّ البين في حلل ... سود تعضّ بنان النّادم الحصر

فلاح ليل على صبح أقلّهما ... غصن وضرّست البلّور بالدّرر

فحينئذ استسنى القوم قيمته، واستغزروا ديمته، وأجملوا عشرته، وجمّلوا قشرته***

قوله: «لبداهته»، أي لارتجاله وإنشاده من غير فكرة، ويقال: بدهه بدها وبديهة وبداهة، إذا فجأه. وبده في كلامه: إذا لم يتفكّر فيه، وفلان حسن البديهة والبداهة، أي الارتجال.

[[سرعة البديهة وما قيل فيها]]

والقول من غير تفكّر وهو عندهم مما يمدح به، وإن كانت الإصابة غالبا في الرويّة وإطالة الفكرة، كما قال عبد الله بن وهب الراسبيّ للخوارج حين عقدوا له: دعوا الرأي حتى يختمر، فلا خير في الرأي الفطير، والقول القصير.

وقال المنصور لكاتبه: لا تبرم أمرا حتى تفكّر، فإن فكرة العاقل مرآته تريه حسنه من قبيحه.

وقال أيضا: الحكمة نور الفكرة، والصواب فرع الرويّة، والتدبير فرع الهمة.

قال ابن الروميّ: [البسيط]

نار الرويّة نار جدّ منضجة ... وللبديهة نار ذات تلويح

<<  <  ج: ص:  >  >>