للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر: إيّاكم والشاعر، فإنه يطلب على الكذب مثوبة، ويقرع جليسه بأدنى كلمه.

وقال بعض الظرفاء يذمهم: [السريع]

الكلب والشاعر في رتبة ... يا ليت أني لم أكن شاعرا!

هل هو إلا باسط كفه ... يستمطر الوارد والصادرا

والله لولا حرقات الهوى ... ما كنت إلا رجلا تاجرا

وقال ابن الروميّ: [الطويل]

يقولون ما لا يفعلون مسبّة ... من الله مسبوب بها الشعراء

وقال أيضا: [الكامل]

للناس فيما يكلفون مغارم ... عند الكرام لها قضاء ذمام

ومغارم الشعراء في أشعارهم ... إنفاق أعمار وهجر منام

وجفاء لذات، وهجر مكاسب ... لو خولفت حرست من الإعدام

وتشاغل عن ذكر ربّ لم يزل ... حسن الصنائع، سابغ الإنعام

قوله: «مبار»، أي معارض. مضمار: طلق. ممار: مجادل. أفضنا: اندفعنا.

يفضح: يكشف عيوبها. شبّه الجماعات في الآداب بالخيل الجياد في الطّلق لا يلحق غبارها من يجاريها، وجعل حديثهم بحسن تفنّنه يفضح الأزهار متى قرن بها.

***

[[مجالس الشعراء]]

ونجعل تفسيرا لهذا المجلس الموصوف باجتماع الشعراء ما حدث به دعبل أنه اجتمع هو ومسلم بن الوليد وأبو الشّيص وأبو نواس، وهؤلاء مشيخة شعراء عصرهم، فقال لهم أبو نواس: إنّ مجلسنا هذا قد اشتهر باجتماعنا فيه، ولهذا اليوم ما بعده فليأت كلّ امرئ منكم بأحسن ما قال فلينشده، فأنشد أبو الشّيص: [الكامل]

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخّر عنه ولا متقدّم

أجد الملامة في هواك لذيذة ... حبّا لذكرك فليلمني اللّوّم

أشبهت أعدائي، فصرت أحبّهم ... إذ كان حظّي منك حظّي منهم

وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا ... ما من يهون عليك ممن يكرم

فجعل أبو نواس يعجب من حسن الشعر، حتى ما كاد ينقضي عجبه.

ثم أنشد مسلم أبياتا منها: [الطويل]

فأقسم أنسي الدّاعيات إلى الصّبا ... فقد فجأتها العين والستر واقع

<<  <  ج: ص:  >  >>