للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأتباع، أو يريد بالفريضة من لا بدّ له أن يدعوه للحضور، مثل القرابة والوجوه والأصحاب، والنافلة لفيف الناس، وأراد أنه حمل لعرسه من يحبّ ومن لا يحبّ، والهاء من «فيها» ضمير الدعوة، ويروى «فيهما» بالميم.

[[الحاضرة والبادية]]

وأما ذكر الحاضرة والبادية، فقد أتينا في ذلك بفصل أدبيّ مستحسن، ولسنا نحتاج إلى إقامة دليل شاهد على فضل الحاضرة، لأنها محلّ الجمعيات والجماعات، وإليها تجلب الخيرات، وبها تستمدّ البركات، ومنهم العلماء والفضلاء والملوك، إلى ما يطول تعداده، ومن أراد الله به خيرا نقله من البادية إلى الحاضرة، وقد أخبر الله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام في قوله: وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ [يوسف: ١٠٠] وهذا فيه فضل للحاضرة لا يدفع إذ قرن الخروج من السجن بالمجيء من البدو، وعدّه من إحسان الله سبحانه وتعالى.

وقف أعرابي على دعبل وهو ينشد: [المتقارب]

إذا القوس أوترها أيّد ... رمى فأصاب الكلى والذّرى (١)

فقال له: ما عنيت؟ فقال دعبل: القوس قوس قزح، أمطرت الأرض بها، فأعشبت فرعاها المال، فسمنت كلاه وأسنمه، فقال الأعرابي: لله درّكم يا حاضرة! إنكم لتسيرون معنا فتساوون، ولتنكّبون عنا فتفوتون.

وفي ضدّ هذا المعنى قال شبيب بن شبة: كثر قطع الطريق بين مكّة والبصرة، فبعثني المنصور أقوم في المناهل، وأتكلّم بذمّ البادية، وأوبّخهم بما يردعهم، فلم أرد ماء إلا تكلّمت عليه بما يحضرني، فلا أجد من ينطق، حتى قمت على ما لبني تميم، فلما انقضى كلامي، قام رجل منهم قال: الحمد لله أفضل ما حمدته، وحمده الحامدون قبلك أو بعدك، وصلى الله على سيدنا محمد أفضل صلاة وأتمّها وأخصها وأعمّها. ثم إني قد سمعت ما قلت في مدح الحاضرة وأهلها، وذمّ البادية وأهلها، ومهما كان فينا أهل البادية من سوء، فليس فينا نقب الدّور، ولا شهادة الزور، ولا نبش القبور ولا نيك الذكور.

قال: فأفحمني والله حتى تمنّيت أني لم أخرج لذلك الوجه.

وقال القطامي: [الوافر]

فمن تكن الحضارة أعجبته ... فأيّ رجال بادية ترانا (٢)


(١) البيت بلا نسبة في لسان العرب (أيد).
(٢) البيت للقطامي في ديوانه ص ٧٦، ولسان العرب (حضر)، وبلا نسبة في إصلاح المنطق ص ١١١، ومغني اللبيب ٢/ ٥٠٧، ولسان العرب (بدا).

<<  <  ج: ص:  >  >>