وقد جرى ذكر يعقوب والأسباط في المقامات في مواضع، وبنى هذه المقامة على ذكر يوسف وجماله وبيع إخوته إياه، ونريد أن نلمّ بطرف من أخبارهم على شرط الكتاب.
ذكر أهل الأخبار أنّ يعقوب- وهو إسرائيل عليه السلام- تزوج بنت خاله ليا بنت ليّان بن بتويل، فولدت له روبيل وشمعون ولاوي ويهوذا وغيرهم، ثم توفّيت وخلف على أختها راحيل، فولدت له يوسف وبنيامين، وكان يوسف وأمه قد قسم لهما من الحسن شطره، فكفلت يوسف عمّته، وكانت أكبر ولد إسحاق، وكانت عندها منطقة لإسحاق يتوارثونها على قدر أسنانهم. فلمّا ترعرع يوسف أراد يعقوب أخذه منها، وقال لها: والله لا أقدر على الصّبر عنه، فقالت له: والله لا أقدر على صرفه إليك، فلما رأت عزمه على أخذه، حزمت المنطقة تحت ثياب يوسف وهو نائم، ثم ادّعت فقدها فطلب فوجدت عنده، وكان من سنتهم أن من سرق شيئا أخذ فيه، فتركه لها حتى ماتت. فلمّا رجع إلى أبيه شغل به عن سائر بنيه، فحسدوه، فسألوا أباهم إرساله معهم للنزهة، بعد أن ضمنوا حفظه، فأخرجوه إلى البريّة، وأخذوا يضربونه، وكلّما ضربه واحد استغاث بآخر، فيضربه الآخر. فلما كادوا يقتلونه منعهم يهوذا، وذكّرهم بما ضمنوا لأبيه من حفظه، فانطلقوا فأدلوه في الجبّ، وهو يقول: يا أباه لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الآباء! وكان بعض إخوته لأمّه، فجعل يتعلق بشفير الجبّ، فربطوا يديه، وألقوه فيه، فقالوا له:
ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا ينجّوك، ثم أرادوا أن يرضخوه بصخرة، فمنعهم يهوذا، وكان يأتيه بالطعام خفية منهم. ثم مرّت سيارة فأدلى واردهم دلوه فتعلّق به، فلما رآه بشّر به السيارة. وقال السّديّ: إنّ الذي أخرجه إنما دعا صاحبا له اسمه بشرى، فأتى إخوته الذين أخرجوه وقالوا: إنه عبد لنا، فباعوه منهم بعشرين درهما على أن يخرجوه من أرض الشأم، فشرطوا لإخوته أن يغرّبوه، ويذهبوا به إلى مصر، فحينئذ رجعوا إلى أبيهم عشاء يبكون.
فهذه قصة بيع الأسباط يوسف على اختصار.
ثم إنّه لمّا بلغ مصر من العزيز، وكان فرعون- وهو الريّان بن الوليد- قد ولّاه خزائنها، فكان من قصته مع امرأة العزيز ومن حبّها فيه ومن دعائها إياه لنفسها، ومن تأبّيه من ذلك واستنزالها إياه؛ حتى هم بها، ورؤيته برهان ربّه- وهو رؤيته صورة يعقوب يعضّ على إصبعه، وقيل: إنه رأى في الحائط مكتوبا: «ولا تقربوا الزنا» ومبادرته الباب فارّا منها، وقدّها قميصه من دبر، ووجوده العزيز على باب الدّار جالسا مع ابن عمّ له، وهو الشاهد من أهلها- وقيل: إنه كان صبيّا في المهد- واشتهار أمرهما بمصر، حتى تحدّثت به نسوة في المدينة، وقلن: امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه، وإحضارها لهنّ وإعدادها لهنّ ما يتّكئن عليه-