للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عيائل كركاب وركائب، وأعال فهو معيل: كثر عياله، وعالهم يعولهم. وفي الحديث:

«ابدأ بمن تعول»، ومن كلام العرب: والله لقد علت حتى علت أي صنت عيالي حتى افتقرت. وأما قوله تعالى: ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا [النساء: ٨] فمعناه ألّا تجوروا.

وقال بعض العرب لحاكم حكم عليه بما لم يوافقه: والله لقد علت عليّ في الحكم، أي جرت، ومن فسّر في الآية تَعُولُوا أنّ معناه تكثر عيالكم فقد وهم.

***

[[عهد الصابي في التطفيل]]

وإذ فرغنا من تفسير هذه الخطبة الهزلية، وقد قدّمنا أن ابن همام في هذه المقامة طفيليّ، فنذكر هنا العهد الذي كتب الصابي بأمر معز الدولة لمحمّد بن فريعة الطفيليّ ببغداد، وقد استخلفه على التطفيل؛ فإن هذا العهد يوافق خطبة المقامة في كثير من أغراضها.

وذلك عهد عهده محمد بن عبد الرحمن إلى الفضل بن النعمان، حين استخلفه على سنّته، واستنابه على حياطة رسومه وسنته؛ من التطفيل على أهل مدينة السلام، وما يتصل بها من أرباضها وأكنافها، وما يجري معها من سوادها وبياضها وأطرافها، لما توسّمه فيه من قلة الحياء، وشدّة اللقاء، وكثرة اللقم، وجودة الهضم.

وأمره أن يتوسّم اسم التطفيل ومعناه، ويعرف مغزاه ومنحاه ويتصفّحه تصفّح الباحث عن حظه بمجهوده، غير القائل فيه بتسليمه وتقليده، فإنّ كثيرا من الناس قد نسب صاحبه للشّره والنّهم، وحمله على الجشع والقرم، فمنهم من غلط في استدلاله، فأساء في مقاله، ومنهم من شحّ بماله، فدفع عنه باحتياله، وكلا الفريقين مذموم، وجميعهما مليم ملوم، ولا يتعلقان بعذر واضح، ولا يتعرّيان من لباس فاضح. وقد عرفت يا أخي بالتطفيل، ولا عار فيه عند ذوي التحصيل، لأن التطفيل مشتق من الطّفل، وهو وقت المساء وأوان العشاء، فلما كثر استعمل في صدر النهار وعجزه، وأوله وآخره، كما قيل:

القمران للشمس والقمر، وكما قيل العمران لأبي بكر وعمر.

وأمره أن يعتمد موائد الكبراء والعظماء بعراياه، ويبسط الأمر بسراياه، فإنه يظفر من إرادته بالغنيمة الباردة، ويصل بها إلى الغريبة الشاردة. فيجد بها من ظرائف الألوان، الملذّذة للسان، وبدائع الطعوم، السائغة في الحلقوم، ما لا يجده عند غيرهم، ولا يناله إلا لديهم، لحذق صناعتهم وجودة أدواتهم، وخصب ناديهم، وكثرة ذات أيديهم؛ والله يوفر من ذلك حظّنا، ويسدّد نحوه لحظنا، ويوضّح عليه دليلنا، ويسهّل إليه سبيلنا.

وأمره أن يجتلب التّكرمة ممن يحصل منهم ودّه، ويستدعي بالتلطف نائله ورفده، وكثيرا ما يتّفق ذلك للمداخلين، ويتيسر للمتوصّلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>